القول، بأن شعر القبائل القحطانية قد قل عن شعر عدنان من مضر وربيعة، بسبب استعراب هذه القبائل، أي أخذها لغة العدنانيين لغة لها، وتركها لغتها الأصلية لغة أهل اليمن، بسبب اتصالها بالقبائل العدنانية، فمن ثم قل شعرها بسبب هذا الاستعراب. ولكن ماذ يكون جوابنا عن تخلف ربيعة في الشعر عن مضر، وربيعة أخت مضر، في عرف النسابين، ولغتها مثل لغة مضر؟
والذي أراه، أن البت في مثل هذه المشكلات، هو أمر لا يمكن أن يكون علميًّا في الوقت الحاضر، فقد رأيت أن الأنساب حاصل تكتلات سياسية، وتجمعات قبلية، وأنها لم تكن حاصل نسب بالمعنى المفهوم من لفظة "نسب"، بمعنى الانحدار من صلب والدين، ورأيت أن العرب كانوا يتكلمون قبل الإسلام بلهجات متباينة، حصرناها في مجموعات استنبطناها من الكتابات الجاهلية، ولكننا لا نستطيع أن نقول إنها تشمل كل لهجات العرب، فقد عثر حديثًا على كتابات جديدة لم تدرس بعد دارسة علمية كافية حتى نقول رأينا فيها، وقد يعثر في المستقبل على كتابات أخرى، قد تزيد في عدد ما نعرفه من المجموعات اللغوية العربية الجاهلية، وفي ظروف كهذه يكون من الصعب علينا الموافقة على ما يذهب إليه أهل الأخبار وما يذهب إليه التابعون لهم من المحدثين من تنقل الشعر في القبائل ومن توزع الشعراء بين مضر وربيعة وقحطان. والرأي عندي أن من الواجب علينا في الوقت الحاضر لزوم إجراء مسح عملي دقيق للهجات العرب في جزيرة العرب، بالبحث في كل مكان عن الكتابات الجاهلية وعن كتابات صدر الإسلام، وبدارسة كل ما كتبه علماء اللغة عن اللغات العربية في الكتب المعروفة وفي الكتب التي قد تكون مؤلفة بلهجات أهل العربية الجنوبية أو غيرها في الإسلام، وبدراسة اللهجات الباقية، ولا سيما اللهجات المنعزلة المتميزة بمميزات خاصة، واستنباط مزاياها وعلاقتها باللهجات القديمة، ثم غربلة كل هذه الدراسات لاستخلاص المجاميع اللغوية منها، وتحديد المواضع التي كانت تتكلم بهذه المجموعات، وبذلك نستطيع تكوين رأي عن لغة الشعر، وعن القبائل التي كانت تتكلم بها، وصارت لهجتها لهجة الشعر عند ظهور الإسلام.
وأغلب شعراء الجاهلية من أهل الوبر، أما شعراء أهل المدر فأقل منهم عددًا. ولم يظهر بين شعراء أهل المدر شاعر رفعه علماء الشعر وعشاق الشعر الجاهلي إلى