للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من تحدث عنهم! وعلى موجب روايات أهل الأخبار تكون تلك الأبيات أقدم ما عندنا من شعر عربي.

وقد ولع بعض المحدثين بوضع سنين لتثبيت سنين مواليد ووفيات الشعراء، واكتفى بعضهم بوضع سنين لوفياتهم، وفعلهم هذا لا يستند إلى أساس علمي، لأننا لا نملك أدلة مقبولة صحيحة، تخولنا حتى وضع مثل هذه الأرقام، ثم إن في الكثير من هذا المروي عن حياة الشعراء ما هو غير صحيح، ولهذا فليس من المعقول أبدًا، وضع سنين لتحديد مواليد ووفيات أولئك الشعراء، والشيء الوحيد الذي نستطيع فعله هذا اليوم هو أن نشير إلى زمان من عاصروهم من الملوك كملوك الحيرة والغساسنة، فنحن على شيء من العلم بأوقات حكمهم، وأن نربط بين أيامهم وبين الحوادث الجسام التي أدركوها أو ساهموا فيها.

ونحن لا نستطيع ترتيب الشعراء ترتيبًا زمنيًّا يستند على سنوات الوفيات، فنقدم شاعرا على شاعر آخر استنادا إلى سنة الوفاة، لأننا لا نملك نصوصا فيها سني الوفاة. ثم إن حياة أقدم شاعر جاهلي لا يمكن أن تتجاوز المائة والخمسين سنة عن الإسلام على أكثر تقدير، وإن أكثرهم قد كانوا متعاصرين، وإن بين حياة الشاعر القديم منهم، وبين الشاعر المتأخر، فترات غير طويلة، تتطاول على العشرة سنين أو العشرين، وهي أزمنة لا تعد شيئًا بالنسبة إلى تأريخ هذا الشعر القصير الأجل.

ويجب ألا تخدعنا بعض العبارات التي نقرأها في كتب الأدب مثل قولهم: "وهو شاعر جاهلي قديم"، أو "هو شاعر قديم"، أو "هما قديمان"١، أو "وهو جاهلي قديم"٢، وأمثال ذلك من تعابير تشير إلى قدم الشاعر أو الشعراء، فنأخذها على الصحة، ونقول بقدم الشاعر، أو الشاعرين، أو الشعراء، فإن أكثر من ذكر أهل الأخبار أنهم من الشعراء القدماء، هم من الذين كانوا في أيام حكم الملك "عمرو بن هند"، وقد كان حكم هذا الملك فيما بين السنة "٥٥٤" والسنة "٥٦٩" للميلاد. وإذا ما تذكرنا أن ميلاد الرسول كان في سنة "٥٧٠" أو "٥٧١" للميلاد، عرفنا إذن أي قدم هو هذا القدم الذي توهموه


١ الشعر والشعراء "١/ ٣٠٢".
١ الشعر والشعراء "١/ ١٩٢، ٢٩٤".

<<  <  ج: ص:  >  >>