ممكن جدا، ولا سيما أن بابل مجاورة للعرب، وأن توسع هذا الملك ودخوله فلسطين جعل البابليين يتصلون اتصالًا مباشرًا بالأعراب، فلا بد أن يكون "بخت نصر" قد احتك بالعرب واتصل بهم, وقد يكون حاربهم وأوقع خسائر بهم؛ لتحرشهم بجيوشه وبحدود إمبراطوريته التي شملت البادية الواسعة الفاصلة بين العراق وبلاد الشام١. ولكن الذي نتوقف عنده وننظر إليه بحذر، هو هذا الطابع المعروف عن الأخباريين، الذي يروون به كيفية غزو ذلك الملك لـ"معد بن عدنان".
وقد يكون "بخت نصر" قد بلغ موضع "ذات عرق" وقد يكون بلغ موضعًا آخر أبعد منه، إلا أن الذي أراه أن استيلاء البابليين على الأماكن التي احتلوها من جزيرة العرب إن وقع فعلًا، فإنه لم يدم طويلًا؛ فقد كانت فتوحات الفاتحين لجزيرة العرب كالسيول، تأتي جارفة عارمة، تكتسح كل شيء تجده أمامها، ثم لا تلبث أن تزول وتختفي آثارها بعد مدة قصيرة؛ لأسباب منها بُعد طرق المواصلات عن عواصم الغازين الفاتحين وعدم وجود مواد غذائية كافية في البلاد المفتوحة لإعاشة جيش كبير، ليستطيع ضبط القبائل والمحافظة على الأمن، ومهاجمة القبائل للقوافل التي ترد لتموين الحاميات وللحاميات نفسها، وعدم تمكن الفاتح من وضع جيش كبير جاهز في كل لحظة للقتال ليصد غارات القبائل التي تؤلف غالبية سكان جزيرة العرب في ذلك العهد. ثم إن القسم الأكبر من الذين قاتلوا وفتحوا, أناس مرتزقة سِيقوا إلى القتال سَوْقًا، خوفًا أو طمعًا، وقبائل اشترى الفاتحون ساداتها بإطماعهم في مغانم يجنونها أو لدوافع حقد قبليّ، ومن عادة سادات القبائل أنهم مع الفاتح ما دام قويا سخيا يبذل لهم بكل سخاء، فإذا ضعف أو أمسك أو دارت الدنيا عليه، كانوا هم أول من ينقلب عليه؛ ولذلك صارت أمثال هذه الفتوحات غارات انتقامية سريعة، لا يلجأ إليها إلا بعد تفكير وإعداد خطط ووجود ضرورات ملحة تستوجب إرسال مثل هذه الحملات.
ويرى بعض علماء التوراة والبابليات ما جاء في كتاب "دانيال" الذي كتب بعد أيام "بخت نصر" من نبوءة ومن رسالة أرسلها النبي إلى ذلك الملك، ومن
١ D.J. Wiseman, Chronicle of Chaldaean Kings, PP. ٣٢, ٤٨, ٧٠, Nebuchadrezzar's Campain in Arabia, ٥٩٩ B. C