للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفتح، وأنهم لذلك غرباء لا صلة هناك بينهم وبين المصريين قبل الإسلام. والمعروف أن "الهكسوس" الذين حكموا مصر كانوا من العرب في رأي كثير من العلماء، بل في نظر قدماء المصريين، كما حكى ذلك الراهب المصري المؤرخ "مانيتو" "Manetho" في كتابه المؤلف باليونانية في القرن الثالث قبل الميلاد١.

وقد ذهب بعض الباحثين إلى أن "هيرودوتس" قصد بـ"العرب" النبط٢، غير أن بعضًا آخر يخالف هذا الرأي ويعترض عليه، فيرى أن النبط لم يظهروا ظهورًا بينًا إلا في أواخر أيام الأخمينيين، وكان ظهورهم في "بطرا" "Petra" وما حولها. أما مملكتهم فلم تقم إلا في القرن الثاني قبل الميلاد؛ ولهذا فإن العرب الذين قصدهم المؤرخ اليوناني هم عرب آخرون، وإن الأرض التي أرادها ذلك المؤرخ هي: طور سيناء حتى شواطئ نهر النيل٣.

وظهر من الإشارات الواردة في التوراة، أن عرب الضواحي كانوا يقيمون في مستوطنات، عرفت بـ"حاصير" "حازير" "حاصور" "حصور" "Haser" في العبرانية, ومعناها: "محاط". وقد كانوا أشباه بدو في الواقع, أناخوا في هذه المواضع واستقروا بها وامتهنوا الرعي٤.

وكان الجنود العرب يلبسون كما يقول "هيرودوتس" نوعًا من الثياب يسمى "زيرا" "Zeira"، وهي ثياب طويلة تشد عليها الحُزُم, ويحمل مرتدوها على أكتافهم اليمنى قِسِيًّا طوالًا. أما في حاله عدم استعمالها، فيعلقونها على طهورهم٥. والظاهر أن هذه الكلمة هي تحريف "السِّيرا", و"السِّيرا": "ضرب من البرود، وقيل: ثوب مسير، فيه خطوط تعمل من القز كالسيور. وقيل: برود يخالطها حرير. وقيل: هي ثياب اليمن"٦. ويلاحظ أن الثياب المخططة كانت ولا تزال شائعة بين شعوب الشرق الأدنى، فلا تستبعد أن تكون كلمة "Zeira" تصحيفًا أو تحريفًا للسيراء، وهي أقرب إليها من لفظة "إزار" أو مئزر على ما أرى.


١ W. G. Waddell, Manetho, P. ٨٥, "the loeb Classical Library", London, ١٩٤٨
٢ Olmstead, History of the Persian Empire, ١٩٤٨, P. ٨٨
٣ Die Araber, I, ١٧٠, ٢٨٤, ٢٩٠
٤ Die Araber, I, S. ١٧٠
٥ Herodotus, II, P. ١٤٧
٦ اللسان "٦/ ٥٧"، ديوان قيس بن الخطيم "ص٦".

<<  <  ج: ص:  >  >>