للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الآخر؛ فهو "نشوان بن سعيد الحميري"، المتوفى سنة ٥٧٣هـ.

لقد بذل الهمداني مجهودًا يقدر في تأليف كتبه وفي اختيار موضوعاته، وسلك في بحوثه سبيلًا حسنًا بذهابه بنفسه إلى الأماكن الآثارية وبوصفه لها في كتبه؛ فأعطانا بذلك صورًا لكثير من العاديات التي ذهب أثرها واختفى رسمها، بل طمست حتى أسماء بعضها. وبمحاولته قراءة المسند وترجمته إلى عربيتنا، للوقوف على معناها ومضمونها، يكون قد استحق التقدير والثناء؛ لأن عمله هذا يدل على إدراكه لأهمية الكتابات في استنباط التوريخ. على أننا يجب أن نذكر أيضًا أن الهمداني لم يكن أول من عمد إلى هذه الطريقة، طريقة قراءة الكتابات لاستنباط التواريخ منها؛ فقد سبقه غيره في هذه القراءات، وكانوا مثله يبغون الوقوف على ما جاء فيها، ومعرفة تواريخها. وقد أشار "الهمداني" نفسه إليهم وذكرهم بأسمائهم، مثل "أحمد بن الأغر الشهابي من كندة" و "محمد ابن أحمد الأوساني" و "مسلمة بن يوسف بن مسلمة الحيواني" وغيرهم١.

فهم مثله يستحقون الثناء والتقدير أيضًا، وهم بطريقتهم هذه في جمع مادة التأريخ يكونون على شاكلة الآثاريين المحدثين في إدراك أهمية دراسات الآثار والكتابات بالنسبة إلى اكتشاف تواريخ العاديات، وهم بطريقتهم هذه يكونون قد فاقوا غيرهم من المؤرخين العرب في الأمكنة الأخرى بهذه الطريقة؛ فقلما نجد مؤرخين في الأماكن الأخرى، لجأوا إلى دراسة الآثار ودراسة الكتابات ووصف الأمكنة الآثارية لاستنباط التواريخ منها كما يفعل الآثاريون في الزمن الحاضر.

وقد أثنى الهمداني بصورة خاصة على أساتذ له أخذ منه، فوسمه بأنه "شيخ حمير، وناسبها، وعلامتها، وحامل سفرها، ووارث ما ادّخرته ملوك حمير خزائنها من مكنون علمها، وقارئ مساندها، والمحيط بلغاتها"٢ وسمّها "أبا نصر محمد بن عبد الله اليهري". وقال: إنه كان مرجعه فيما كان يشكل عليه من أخبار أهل اليمن، والمنبع الذي غرف منه علمه بأحوال الماضين، إلى أن قال: "وكان بحاثة، قد لقي رجلًا وقرأ زبر حمير القديمة ومساندها الدهرية؛ فربما نقل الاسم على لفظ القدمان من حمير، وكانت أسماء فيها ثقل، فخففتها العرب،


١ الإكليل"١٠/ ١٥، ١٦، ١٩، ٢٠، ١١١".
٢ الإكليل"١/ ٩".

<<  <  ج: ص:  >  >>