الطهارة، ولا فرق بين حصول هذا الشك في نفس الصلاة وحصوله خارج الصلاة. هذا مذهبنا ومذهب جماهير العلماء من السلف والخلف، وحكي عن مالك -رحمه الله- روايتان: إحداهما أنه يلزمه الوضوء إن كان شكه خارج الصلاة، ولا يلزمه إن كان في الصلاة، والثانية يلزمه على كل حال [أي سواء كان الشك أثناء الصلاة أو كان خارجها] قال الشافعية ولا فرق في الشك بين أن يستوي الاحتمالان في وقوع الحدث وعدمه، أو يترجح أحدهما، أو يغلب على ظنه، فلا وضوء عليه بكل حال، ويستحب له أن يتوضأ احتياطا فلو توضأ احتياطا ودام شكه فذمته بريئة، وإن علم بعد ذلك [أي بعد أن توضأ احتياطا] أنه كان محدثا، فهل تجزيه تلك الطهارة الواقعة في حال الشك؟ فيه وجهان للشافعية، أصحهما عندهم أنه لا تجزيه، لأنه كان مترددا في نيته.
وأما إذا تيقن الحدث، وشك في الطهارة فإنه يلزمه الوضوء بإجماع المسلمين، وأما إذا تيقن أنه وجد منه -بعد طلوع الشمس مثلا- حدث وطهارة، ولا يعرف السابق منهما، فإن كان لا يعرف حاله قبل طلوع الشمس لزمه الوضوء، وإن عرف حاله ففيه أوجه لأصحابنا أشهرها عندهم أنه يكون بضد ما كان قبل طلوع الشمس، فإن كان قبلها محدثا فهو الآن متطهر، وإن كان قبلها متطهرا فهو الآن محدث، والوجه الثاني -وهو الأصح عند جماعات من المحققين- أنه يلزمه الوضوء بكل حال. الثالث يبنى على غالب ظنه، والرابع يكون كما كان قبل طلوع الشمس، ولا تأثير للأمرين الواقعين بعد طلوع الشمس، وهذا الوجه غلط صريح، إذا كيف يحكم بأنه على حالة تيقن بطلانها بما وقع بعدها؟ .
قال: ومن مسائل القاعدة المذكورة أن من شك في طلاق زوجته، أو عتق عبده، أو نجاسة الماء الطاهر، أو طهارة الماء النجس، أو نجاسة الثوب أو الطعام أو غيره، أو أنه صلى ثلاث ركعات أو أربعا، أو أنه ركع وسجد أم لا، أو أنه نوى الصوم أو الصلاة أو الوضوء أو الاعتكاف، وهو في أثناء هذه العبادات وما أشبه هذه الأمثلة، فكل هذه الشكوك لا تأثير لها، والأصل عدم هذا الحادث. انتهى بتصرف.
والروايات عن مالك -رحمه الله- في هذه المسألة مختلفة، فقد روي عنه نقض الوضوء مطلقا، وروي عنه النقض خارج الصلاة دون داخلها، وروى ابن نافع عنه: لا وضوء عليه مطلقا، كقول الجمهور، وروى ابن وهب عنه "أحب إلي أن يتوضأ".
ومشهور مذهب مالك -كما يقول القرطبي- النقض داخل الصلاة وخارجها، وحمل بعض أتباعه الحديث على من كان به وسواس، وتمسك بأن الشكوى لا تكون إلا عن علة، قال الحافظ ابن حجر: وأجيب بما دل على التعميم، وهو حديث أبي هريرة عند مسلم [روايتنا الثانية]، ولفظه "إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا، فأشكل عليه، أخرج منه شيء أم لا؟ فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا".
وقال العراقي: ما ذهب إليه مالك راجح، لأنه احتاط للصلاة، وهي مقصد، وألغى الشك في السبب المبرئ. وغيره احتاط للطهارة وهي وسيلة، وألغى الشك في الحدث الناقض لها، والاحتياط للمقاصد أولى من الاحتياط للوسائل. اهـ.