١٨٧ - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا. ومن شرب سما فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا. ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا".
-[المعنى العام]-
إرشادا إلى أن الحياة هبة الله، وأنه ينبغي أن تترك الروح لخالقها يسلبها متى يريد ويحملها الآلام إذا شاء، يحذر الرسول صلى الله عليه وسلم من الإقدام على التخلص من الحياة، مهما كانت بواعثه، ومهما قست بالمرء نوائب الزمان، فمن المعلوم أن هذه الدنيا دار شقاء، وليس للمصائب والمتاعب إلا الرجال، وبقدر تحمل الرجل لكبار الأرزاء [أي المصائب] تكبر رجولته، وبقدر جزعه وانهياره أمام بعضها يظهر ضعفه وجبنه.
وقد علمتنا التجارب أن طريق السعادة مفروش بالأشواك، ومن أراد القمة تسلق الصعاب، ودون الشهد إبر النحل، وبالجهاد والصبر والتفويض يبلغ الإنسان ما يريد، ومن ظن أنه بانتحاره يتخلص من الآلام فهو واهم، لأنه إنما يدفع بنفسه من ألم صغير إلى ألم كبير، ومن ضجر محدود، وفي زمن قصير، إلى ضجر غير محدود، وفي زمن طويل.
إن الذي يقدم على الانتحار غير راض بالقضاء، محارب للقدر ساخط على الفعال لما يريد، يائس من روح الله، وإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون. ومن أجل هذا كانت عقوبته عند الله قاسية، فمن قتل نفسه بحديدة، أو ضرب نفسه بمثقل، أو برصاص أو طعن نفسه بسكين أعد الله له حديدة من نار، ليطعن بها بطنه، كلما فجرها عادت كما كانت، خالدا مخلدا على هذه الحال أبدا، ومن شرب سما فقتل نفسه، أعد الله له يوم القيامة كأسا من السم، الذي يفوق سم الدنيا في صعوبة مذاقه، وشدة تأثيره وإيلامه كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم، يكلف أن يتجرعه خالدا مخلدا على هذه الحال أبدا، ومن تردى من جبل أو قذف نفسه من شاهق، فقتل نفسه، نصب الله له يوم القيامة جبلا من نار، على واد من جهنم يكلف الصعود إليه، ليهوي من الجبل في نار جهنم، خالدا على هذه الحال أبدا.