[(١٠٢) باب شفقة الرسول صلى الله عليه وسلم على أمته]
٣٦٧ - عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله عز وجل في إبراهيم {رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني}[إبراهيم: ٣٦] الآية. وقال عيسى عليه السلام:{إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم}[المائدة: ١١٨] فرفع يديه وقال "اللهم! أمتي أمتي" وبكى. فقال الله عز وجل: يا جبريل! اذهب إلى محمد، وربك أعلم، فسله ما يبكيك؟ فأتاه جبريل عليه السلام فسأله. فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال. وهو أعلم. فقال الله: يا جبريل! اذهب إلى محمد فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك.
-[المعنى العام]-
اصطفى الله أنبياءه من بين أممهم، وغرس في قلوبهم الرأفة والرحمة وحب الخير لمن بعثوا فيهم، وأعلاهم درجة في هذا الشأن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، لقد أوذي من أهل الطائف، وأغروا به سفهاءهم يتبعونه ويقذفونه بالحجارة حتى أدموا قدميه، ونزل عليه جبريل يقول: لو شئت أطبقت عليهم الأخشبين. فقال: إني لأرجو أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله. اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون. قال له جبريل: صدق من سماك الرءوف الرحيم؛ وفي هذا الحديث مثل رائع من شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته، وحرصه على أن تكون خير الأمم، لقد قرأ قول إبراهيم عليه السلام:{فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم}[إبراهيم: ٣٦] وقول عيسى عليه السلام: {إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم}[المائدة: ١١٨] كل منهما يطلب المغفرة لأمته، فماذا عساه يفعل، وهو أكثر منهما شفقة، وأكبر منهما حرصا؟ لقد قرأ الآيتين في ليلة، وهو يبكي، ويتضرع إلى الله، ويرفع يديه إلى السماء ويقول: يا رب. أمتي. أمتي، ويسمع الله نداءه -وهو أعلم به وبما يرجوه- فيقول: يا جبريل، اذهب إلى محمد فقل له: ما يبكيك؟ وماذا تطلب من ربك؟ فسأله جبريل، فقال: أسأل الله أن يشفعني في أمتي، وأن يغفر لهم. فعاد جبريل بما سمع من محمد صلى الله عليه وسلم. فقال الله له: ارجع إلى محمد فقل له: إننا سنرضيك في أمتك، ولن نسوؤك فيها أبدا صلى الله عليه وسلم، وآتاه الوسيلة والفضيلة والمقام المحمود.