للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[(٦٠٦) باب بيان مثل ما بعث به صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم]

٥١٩٣ - عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن مثل ما بعثني الله به عز وجل من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا. فكانت منها طائفة طيبة، قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير. وكان منها أجادب، أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا ورعوا. وأصاب طائفة منها أخرى، إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ. فذلك مثل من فقه في دين الله، ونفعه بما بعثني الله به، فعلم وعلم. ومثل من لم يرفع بذلك رأسا، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به".

-[المعنى العام]-

البشرية منذ خلق الله آدم وحواء وأنزلهما إلى الأرض، يتبعها إبليس، ومنذ كثرت ذرية آدم، في حاجة بين الحين لتذكيرها بربها، لتتحقق الحكمة الإلهية التي نوه عنها جل شأنه بقوله {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} [الذاريات: ٥٦].

وتلك حكمة إرسال الرسل عليهم السلام، وإنزال الكتب والشرائع، وكلما تقدمت البشرية نحو الحضارة، وكلما كثر عددها على وجه البسيطة، وكلما اتسعت آفاقها وآفاق علمها، كلما كان التذكير والتوجيه والتشريع في دائرة أوسع، وكلما كانت حاجتها إلى التفصيل أشد وأعظم، فإذا ما أضيف إلى ذلك أن كل رسول، كان يبعث إلى قومه خاصة، وإلى فترة زمنية مؤقتة كانت رسالة محمد صلى الله عليه وسلم العامة الخاتمة، الصالحة لكل زمان ومكان إلى يوم القيامة، أكثر الرسالات شمولا للأحكام، وأوسعها في التعاليم والتشريعات، وقد جاءت في فترة زمنية وصلت البشرية فيها إلى انحدار وانحطاط، فكانت غيثا مغيثا، وعلاجا لأمراض انتشرت وتنوعت، وكانت كالنور في حالك الظلام، كانت كصيب من السماء، فيه غيث ونفع للأرض الطيبة الصالحة للزراعة، النقية من الحشائش والحجارة، ينبت به الزرع والنخيل والأعناب، ومن كل الثمرات والكلأ والأعشاب ويسقط على حجارة ملساء، أو أرض سبخة لا تنبت، فلا ينتفع به، وكذلك الناس بالنسبة لدعوة الإسلام، منهم من يسمع فيستجيب، ويتعلم فيتفقه، ويتعمق في العمل، ويعمل بما يعلم ثم يعلم غيره ما علم، فينفع نفسه، وينفع غيره، ومنهم من يسمع فيحفظ، ولا يعمل لكنه يعلم غيره فهو كالأرض المنخفضة، كالوديان، تحفظ الغيث

<<  <  ج: ص:  >  >>