١٣٦ - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد، اعتزل الشيطان يبكي. يقول: يا ويله. (وفي رواية أبي كريب يا ويلي). أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة. وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار".
١٣٧ - وعن الأعمش بهذا الإسناد مثله غير أنه قال "فعصيت فلي النار".
-[المعنى العام]-
إن الشيطان للإنسان عدو مبين، منذ أن خلق الله آدم أبا البشر، ونفخ فيه من روحه وأمر ملائكته بالسجود، فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين، ومنذ ذلك الحين وهو مسلط ببني آدم، يعدهم ويمنيهم، ويزين لهم ويغويهم، ويأتيهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ليشاركوه معصية الرب الكريم، فتمتلئ جهنم منه وممن اتبعه منهم أجمعين.
إن عدوه الأكبر هو المسلم الذي يتجه إلى ربه بالعبادة، بل إن الذي يرغم أنفه هو المسلم الذي يقرأ القرآن، وكلما وسوس له ليثنيه عن القراءة ازداد فيها، وكلما ذكره بأمور ينساها ليخرجه عن الإخلاص والتوجه طارده واستغرق في مناجاة ربه، والتفكر والتدبر في معانيها، وهكذا تظل المعركة مستمرة، والمجاهدة مشتدة، حتى إذا وصل المسلم في قراءته إلى آية سجدة فسجد خنس الشيطان وانهزم، وانعزل في جانب بعيد من المكان، يندب حظه ويبكي على خسارته، ويتحسر على حاله ومصيره، يندب كما تندب الثكلى، ويعض على أصابع الندم، ويقول: يا ويلتاه. يا مصيبتاه واحسرتاه، واكارثتاه.
هذا هو المؤمن أغلبه فيغلبني، وأزين له فيعرض عني، وأدعوه فيرفض دعوتي، وأصادقه فيعاديني، هذا هو المؤمن يقرأ القرآن، رغم أنفي ويستجيب لربه ويسجد لآية السجدة ويعصيني.
واحسرتاه، لقد أفلت مني ولم يعد من شيعتي، لقد تخلص من حبائلي ونجا من خديعتي وأصبح من أهل الجنة.
واحسرتاه واحسرتاه مرتين، مرة لفشلي في محاولتي، ومرة لوقوعي أنا في المعصية الماحقة، وتكبري على أوامر ربي، مرة لاستحقاقه الجنة، ومرة للحكم علي بالطرد والإبعاد من رحمة الله. فهنيئا للمؤمنين الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون.