١٩٩ - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم. يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا. أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا. يبيع دينه بعرض من الدنيا".
-[المعنى العام]-
يلهب رسول الله صلى الله عليه وسلم عزائم المؤمنين إلى العمل الصالح، ويحذرهم من التراخي مع التمكن، ويخوفهم من تأخير طاعات اليوم إلى الغد، فلا يدري المسلم ما يأتي به غده، فما أكثر الأمراض بعد الصحة، وما أكثر الفقر بعد الغنى، وما أسرع الشيب بعد الشباب، وما أكثر مشاغل الدنيا بعد الفراغ، ويخوف رسول الله صلى الله عليه وسلم بما هو أدهى من كل ذلك، بمستقبل للمسلمين مظلم ظلام الليل، لا يميزون فيه الخطأ من الصواب، ولا يحققون فيه الأمور، بل ينجرفون وراء تيارات الفتن، وينزلقون وراء الهوى، وينقادون لأهواء الحياة وزينتها، فيبيعون دينهم بعرض حقير، ويخسرون آخرتهم بدنياهم. يخوف رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا المستقبل الغامض، الذي تتطاير فيه الفتن تطاير النار والشرر، فتحرق من تحرق، وتزعج من تزعج، هنالك يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، أو يمسي مؤمنا فتحرقه الفتنة فيصبح كافرا.
فليحذر المؤمن، وليبادر الكيس بالعمل الصالح، وليسابق الزمن بفعل الحسنات قبل أن يفوت الأوان، فيقول:{يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين}[الزمر: ٥٦] أو يقول: لو أن لي عمرا لأكونن من العاملين. أو يقول: لولا أخرني ربي إلى أجل قريب فأصدق وأكون من الصالحين. {ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون}[المنافقون: ١١].
-[المباحث العربية]-
(بادروا بالأعمال فتنا) أي: سابقوا بالأعمال الصالحة فتنا، فاسبقوا بأعمالكم هذه الفتن، والفتنة هي الابتلاء والاختبار، ووسائله كثيرة متعددة، يأتي توضيحها في فقه الحديث.
(كقطع الليل المظلم) كناية عن شدتها، وهول الخوف منها، وإبهام الأمر فيها، وضعف الوصول إلى الحق، وسرعة الوقوع في الباطل، ووصف الليل بالمظلم للتأكيد.