للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[(٤٠) باب الطعن في النسب والنياحة على الميت]

١٢٣ - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اثنتان في الناس هما بهم كفر. الطعن في النسب والنياحة على الميت".

-[المعنى العام]-

تعرض الحديث الأسبق لإيمان من رغب عن نسبه، وانتسب إلى غير أبيه وحكم عليه بالحرمان من الجنة، لاستيلائه بهذا الفعل على ما ليس له من حقوق ويتعرض هذا الحديث للطعن في النسب، ويحكم عليه بالكفر، لما قد يؤدي إليه من حرمان المسلم من حقوقه، وقد أحاط الإسلام النسب بسياج من الحصانة، وضرب عليه سوراً من الوقاية، يحميه من الشك ويدفع عنه الشبه، فلم يقبل نفي النسب لمجرد اختلاف الشبه، فهذا الأعرابي الذي يشك في الطفل الذي ولدته زوجته، ويقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، ولد لي غلام أسود وأنا أبيض. لقد رفض رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يرمي إليه الأعرابي من محاولة نفي النسب والطعن فيه، وقال له: هل لك من إبل؟ قال: نعم. قال: ما ألوانها؟ قال: حمر. قال: هل فيها من أورق؟ قال: نعم. قال: فمن أين ذلك اللون الأورق والآباء حمر؟ قال الرجل: لعله نزعه عرق وورث هذا اللون من جد بعيد. قال له صلى الله عليه وسلم: لعل ابنك هذا نزعه عرق وورث هذا اللون الأسود من جد بعيد.

وحمى الشارع زعزعة النسب مهما كانت الشكوك، فحكم بأن الولد للفراش وللعاهر الحجر.

وفي هذا الحديث يجعل الطعن في النسب كالكفر، لأن الكفر يؤدي إلى الحرمان الأخروي، والطعن في النسب يؤدي إلى الحرمان الدنيوي.

أما النياحة على الميت، والبكاء عليه بصياح وعويل، وتعديد محاسنه والندبة بالويل والثبور إلخ، فإنه مما يغضب الرب، لما فيه من مظهر الاعتراض على القضاء، وعدم الرضا بالقدر، والسخط على ما شاء الله وما كان، ولا شك أن هذه الأعمال لا تليق بالمؤمن الشاكر على السراء، الصابر على الضراء.

وإن كثيراً من النادبات تظن أن الوفاء للميت في إشعال نار العويل، وأن مظهر الحب والإخلاص في إرسال الصراخ ورفع الصوت والدعوة بدعوى الجاهلية، وما فكروا في أن هذا العمل يضر بهم وبصاحبهم، ولا يزيدهم في نفوس العقلاء إلا تجهيلاً وازدراء وتحقيراً.

إن الإسلام يرسم طريق استقبال المصائب بنفس مطمئنة راضية، نفس محتسبة وإن آلمها المصاب، وأبكاها الحزن، ففي الحديث: توفي إبراهيم ابن نبينا صلى الله عليه وسلم فدمعت عيناه صلى الله عليه وسلم فقال: القلب يجزع، والعين تدمع، ولا نقول ما يغضب الرب، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون.

<<  <  ج: ص:  >  >>