٦٤ - عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خير؟ قال:"تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف".
-[المعنى العام]-
من أهم شعب الإيمان، وأبرز خصال الإسلام، إطعام الطعام، وإفشاء السلام، إذ بهما يكون التآلف والإخاء، وبهما تصبح الأمة الإسلامية كالجسد الواحد، تتعاون أعضاؤه على خيرها، وتتسالم وتتكاتف على دفع الضرر عنها، ويشد بعضها بعضا تحقيقا لمتانتها وصلابتها وقوتها.
إن الإسلام دين ودنيا، بل إن دنياه مزرعة لدينه، ودينه لخير دنياه وأخراه، إنه يضع قواعد المجتمع السليم، والمدنية الفاضلة، في خصلتين اثنتين وما أسهلهما، وما أيسر أداءهما، وما أعظم نفعهما، وما أكبر أثرهما.
إنهما التعاون المالي والبدني، إنهما إنفاق الطعام، وإعطاء الأمن والأمان.
فما أحكم الرسول النبي الأمي، الذي أعطي جوامع الكلم، والذي لا ينطق عن الهوى حين يسأله السائل: أي خصال الإسلام خير يا رسول الله؟ لنتسابق إليها، ونحرص عليها فوق حرصنا على غيرها.
لقد كان الجواب الرائع منحصرا في جملتين: تطعم الطعام، وتقرأ السلام. تطعم طعامك والديك وأولادك وأهلك، فلا تكن شحيحا عليهم مقترا في الإنفاق على طعامهم، تطعم طعامك الأغنياء وذوي الجاه، لتحظى بحقك عندهم، وتؤكد الروابط بين طبقات المجتمع السليم، تطعم طعامك الفقراء والمساكين وابن السبيل، لتفوز بدعائهم، وثواب برهم وصلتهم، تطعم طعامك العدو والصديق لتؤلف بين القلوب، وتدرأ غوائل الإحن والأحقاد ولتزداد المودة والمحبة بينك وبين الخلان، تطعم طعامك الطير والحيوان، لتنمو في صدرك صفة الرحمة، فتسعد برحمة الرحمن.
بذلك تحقق الأمن لنفسك ممن حولك، ويبقى عليك أن تؤمن من معك، فاقرأ السلام وأعط الأمان لكل من تلقاه، وسلم على من تعرف ومن لا تعرف، فتتقارب النفوس المتباعدة، وتتجاوب القلوب المتنافرة، وتتعارف الأرواح المتذاكرة.
بهاتين الخصلتين يتم الأمن والأمان، وتتحقق المحبة والوئام، ويسود الصفاء والسلام وتتجلى بأبرز صورها مظاهر الإسلام.