لم يكن يخفى كل هذا على الصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين- لكن بعضهم في أوائل تشريع الأضحية ظن أن الغرض منها التوسعة على الأهل والجيران والفقراء يوم العيد، فذبح قبل صلاة العيد، وقبل أن يذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعضهم ظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذبح، فذبح قبل أن يتبين أنه لم يذبح، وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس صلاة العيد، فلما سلم شم رائحة لحم مذبوح، فنظر إلى ساحة الذبح، فرأى غنماً مذبوحة، كان يمكن أن يرشد من فعل هذا إلى ما كان ينبغي، ليلتزم العام القابل، ويتفادى خطأ ما فعل هذا العام، والذبيحة قد وقعت، وفائدتها قد حصلت، والإساءة في التعجيل قد تغتفر، لكن لما كان للحم شهوة، وللنفس فيه رغبة، قد تدفع إلى التهاون في الالتزام شيئاً فشيئاً، من حيث الوقت تارة، ومن حيث مواصفات الأضحية تارة أخرى، أراد المشرع أن يفطم النفوس عن التهاون، فأمر صلى الله عليه وسلم من ذبح قبل الصلاة أن يعيد ذبح أضحية أخرى، واعتبر الذبيحة التي سبقت صلاته وخطبته وذبحه لحماً كأي لحم يقدم للأهل، ليس من ثواب الأضحية في شيء، وليس من العبادة في شيء، لم يصب به صاحب السنة، ولم يقم بما شرعه الله له.
أمر بذلك صلى الله عليه وسلم في خطبة العيد، عقب الصلاة، وكان بعض من ذبح أضحيته خطأ لا يملك ما يصلح لأضحية أخرى، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو قائم يخطب. قال: يا رسول الله، ذبحت أضحيتي قبل أن أصلي معك، وتعجلت الخير لأهلي وجيراني والفقراء؟ قال صلى الله عليه وسلم: لحم قدمته لأهلك، أعد ذبحاً، اذبح مكان التي ذبحتها أضحية أخرى، اذبح أخرى، فلم تقع الأولى موقعها، لأنها سبقت وقتها. قال: يا رسول الله، ليس عندي شاة أخرى، وكل ما عندي عنز، ابنة سنة، لكنها سمينة، تعدل في نظري شاتين، وهي عندي أحب إلي من شاتين، وقد علمتنا أن مثلها لا يصلح أضحية، فهل أذبحها؟ قال: اذبحها، ولا يصلح مثلها أضحية لأحد غيرك، فقد قبل عذرك.
وهكذا أكد رسول الله صلى الله عليه وسلم على تشريع الأضحية، وقتاً، ووصفاً، وإلزاماً، حتى إنه صلى الله عليه وسلم كان يوزع من بيت مال المسلمين ضحايا حية على فقراء المسلمين. ليذبحوها في يوم العيد.
-[المباحث العربية]-
[(كتاب الأضاحي) جمع أضحية، بضم الهمزة، وتشديد الياء، ويجوز كسر الهمزة، ويجوز حذفها، فتفتح الضاد، وقد تكسر، مع تشديد الياء، وجمع ضحية ضحايا، كعطية وعطايا، ويقال: أضحاة، وجمعها أضحى، بفتح الهمزة، كأرطاة وأرطى، كل ذلك للشاة التي تذبح ضحوة هذا اليوم، وكأن تسميتها اشتقت من اسم الوقت الذي تشرع فيه، وبه سمي يوم الأضحى، أي اليوم الذي تذبح فيه الشاة في الضحى، والضحى ضوء الشمس، وارتفاع النهار وامتداده، والضحاء والضحوة والضحو والضحية الضحى.]