للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا) شك من الراوي في أي اللفظين صدر عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وكل من اللفظين يدل على تحول من حالة الإيمان إلى حالة الكفر فيما بين الليل والنهار، وليس الليل والنهار مقصودين، بل هما كناية عن سرعة التحول، إذ يمكن أن يكون بين الصبح والظهر، أو بين الظهر والعصر مثلا، وذكر الرجل ليس للاحتراز فالمرأة كذلك.

(يبيع دينه بعرض من الدنيا) جملة تعليلية لتحوله إلى الكفر.

-[فقه الحديث]-

قال النووي: معنى الحديث الحث على المبادرة بالأعمال الصالحة قبل تعذرها والاشتغال عنها بما يحدث من الفتن الشاغلة المتكاثرة المتراكمة كتراكم ظلام الليل المظلم لا المقمر، ووصف صلى الله عليه وسلم نوعا من شدائد تلك الفتن، وهو أنه يمسي مؤمنا ثم يصبح كافرا، أو عكسه، وهذا أعظم الفتن، ينقلب الإنسان في اليوم الواحد هذا الانقلاب. اهـ.

فالحديث من قبيل قوله صلى الله عليه وسلم: "اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك، وغناك قبل فقرك".

وللفتن وسائل كثيرة، منها المال والبنون، كما قال تعالى: {إنما أموالكم وأولادكم فتنة} [التغابن: ١٥] والصحة فتنة، وكل خير فتنة، بل وكل شر فتنة، وفي ذلك يقول تعالى: {ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون} [الأنبياء: ٣٥].

ومن هنا يتبين أن الدنيا مزرعة الآخرة، وأن حال المؤمن خير كله، إن أصابه خير فشكر كان خيرا له، وإن أصابه شر فصبر كان خيرا له، وعلى المؤمن ألا يزهد في قليل من الخير أن يفعله، ولا في قليل من الشر أن يجتنبه.

-[ويؤخذ من الحديث]-

١ - أن على المؤمن أن يبادر بفعل الطاعات والاجتناب عن المعاصي ولا يمهل، ولا يؤخر عمل اليوم إلى غد، ولا عمل الساعة إلى ما بعدها فإنه لا يدري متى يموت؟ فإن الساعة تقوم وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما، فلا يتبايعانه ولا يطويانه، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه، ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقي فيه، ولتقومن الساعة وقد رفع أحدكم أكلته إلى فيه فلا يطعمها. كذا ورد في الحديث.

وليس المقصود من المبادرة بالأعمال الإجهاد والمبالغة والتشدد في الدين، فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى، وإنما المقصود التعجيل بفعل الطاعة الميسورة، فإن خير العمل أدومه وإن قل، ففي الحديث "سددوا وقاربوا واغدوا وروحوا وشيئا من الدلجة" (أي العمل ليلا).

<<  <  ج: ص:  >  >>