والمطر، حتى يأخذه من ينتفع به ومنهم من يسمع فيعرض، فلا يحفظ ولا يعمل ولا يعلم غيره، فيكون كالأرض الملساء الجرداء، لا تمسك ماء، ولا تنبت كلأ.
فالعاقل من انتفع ونفع، والويل لمن أعرض، ولم يرفع بذلك رأسا. ومن عمل صالحا فلنفسه، ومن أساء فعليها.
-[المباحث العربية]-
(إن مثل ما بعثني الله به عز وجل من الهدى والعلم)"مثل" بفتح الميم والثاء، والمراد به الصفة العجيبة الشأن، وليس القول السائر، والمراد من "الهدى" الدلالة الموصلة إلى المطلوب، أي وسيلة الهداية، من الدعوة إلى الله بالحجة، والموعظة الحسنة، والمراد من العلم حصول المعلومات عنده صلى الله عليه وسلم وإيصالها للأمة، ولذا ترجم البخاري للحديث بباب فضل من علم وعلم، "علم" الأولى بكسر اللام والثانية بفتحها وتشديدها.
(كمثل غيث أصاب أرضا) المراد من الغيث المطر، وتنكير "أرضا" لتنوعها، كما سيأتي.
(فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء) قال النووي: هكذا هو في جميع نسخ مسلم "طائفة طيبة" ووقع في البخاري "فكان منه نقية قبلت الماء" بنون مفتوحة، ثم قاف مكسورة، ثم ياء مشددة، وهو بمعنى طيبة، هذا هو المشهور في روايات البخاري، ورواه الخطابي وغيره "ثغبة" بالثاء والغين والباء، قال الخطابي: هو مستنقع الماء في الجبال والصخور. قال القاضي وصاحب المطالع: هذه الرواية غلط من الناقلين، وتصحيف، وإحالة للمعنى، لأنه إنما جعلت هذه الطائفة الأولى مثلا لما ينبت، والثغبة لا تنبت، اهـ. وروي "بقعة" وهي بمعنى "طائفة" وروي "بقية" بالباء بدل النون، والمراد القطعة الطيبة، كما يقال: فلان بقية الناس، ومنه قوله تعالى {فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية}[هود: ١١٦] والمراد من قبول الماء قبوله سقيا لزرع بقدر الحاجة.
قال إسحاق بن راهويه، حين روي هذا الحديث "قيلت الماء" بفتح القاف وتشديد الياء المفتوحة، قيل: وهو تصحيف، من إسحق، وقيل: بل صواب، ومعناه شربت، والقيل شرب نصف النهار.
(فأنبتت الكلأ والعشب الكثير) قال النووي: "الكلأ" بالهمز يقع على اليابس والرطب، وقال الخطابي وابن فارس: الكلأ يقع على اليابس، وهذا شاذ ضعيف، قال: والعشب والكلأ، مقصورا غير مهموز، مختصان بالرطب. اهـ. وقال الحافظ ابن حجر:"العشب" هنا من ذكر الخاص بعد العام، لأن الكلأ يطلق على النبت الرطب واليابس معا، و"العشب" للرطب فقط. اهـ.
والمقصود- على أي حال - أنبتت الزرع النافع على الأمد القريب والبعيد.
(وكان منها أجادب أمسكت الماء) قال النووي: بالجيم والدال، وهو الأرض التي تنبت كلأ، وقال الخطابي: هي الأرض التي تمسك الماء، فلا يسرع إليه النضوب، قال ابن بطال وصاحب المطالع وآخرون: هو جمع جدب على غير قياس: كما قالوا في حسن: جمعه محاسن، والقياس أن