للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

محاسن جمع محسن، وكذا قالوا: مشابه جمع شبه، وقياسه أن يكون جمع مشبه. قال الخطابي: وقال بعضهم: "أحادب" بالحاء والدال. قال: وليس بشيء. قال: وقال بعضهم "أجارد" بالجيم والراء والدال، قال: وهو صحيح المعنى، إن ساعدته الرواية، قال الأصمعي: الأجارد من الأرض ما لا ينبت الكلأ، معناه أنها جرداء هزرة، لا يسترها النبات، قال: وقال بعضهم: إنما هي "أخاذات" بالخاء والذال وبالألف، وهو جمع "أخاذة" وهي الغدير الذي يمسك الماء، وذكر صاحب المطالع هذه الأوجه الذي ذكرها الخطابي، فجعلها روايات منقولة، وقال القاضي في الشرح: لم يرد هذا الحرف في مسلم ولا في غيره إلا بالدال المهملة، من الجدب، الذي هو ضد الخصب، قال: وعليه شرح الشارحون.

(فنفع الله بها الناس، فشربوا منها، وسقوا، ورعوا) "سقوا" قال النووي: قال أهل اللغة: سقى وأسقى بمعنى، لغتان، وقيل: سقاه ناوله ليشرب، وأسقاه جعل له سقيا، وأما "رعوا" فهو بالراء من الرعي، كذا هو في جميع نسخ مسلم، ووقع في البخاري "وزرعوا" وكلاهما صحيح.

(وأصاب طائفة منها أخرى، إنما هي قيعان، لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ) "قيعان" بكسر القاف، جمع قاع، وهو الأرض المستوية التي لا تنبت، والتي إذا أصابها الماء لا يستقر فيها، وجمع في المثل بين الطائفتين الأوليين المحمودتين، لاشتراكهما في الانتفاع بهما، وأفرد الطائفة الثالثة، المذمومة- بقوله "وأصاب طائفة منها أخرى" لعدم النفع بها.

(فذلك مثل من فقه في دين الله، ونفعه بما بعثني الله به، فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به) "من فقه" بضم القاف، أي صار فقيها، وقال ابن التين: رويناه بكسرها، والضم أشبه.

قال القرطبي وغيره: ضرب النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء به من الدين مثلا، بالغيث العام، الذي يأتي الناس في حال حاجتهم إليه، وكذا حال الناس قبل مبعثه، فكما أن الغيث يحيي البلد الميت، فكذا علوم الدين، تحيي القلب الميت، فتعاليم الإسلام، وما جاء به صلى الله عليه وسلم مشبه، والغيث مشبه به. ثم شبه السامعين لتعاليم الدين بالأرض المختلفة التي ينزل بها الغيث، فمنهم:

العالم العامل المعلم غيره: فهو بمنزلة الأرض الطيبة، شربت فانتفعت في نفسها، وأنبتت، فنفعت غيرها، انتفعت في نفسها بالحياة بعد أن كانت ميتة، وكذلك علم العالم يحيي قلبه، وعمله بعلمه يبرزه بمظهر الجمال والزينة، وينفعه كالنبات للأرض، وينفع الناس بالقدوة، كما ينفعهم وينفعه تعليمه لهم.

ومنهم الجامع للعلم: الذي يشغل زمانه فيه، المعلم لغيره، لكنه لم يعمل بعلمه، فهو جمع العلم، وأداه لغيره، فهو بمنزلة الأرض التي يستقر فيها الماء وتمسكه، ولا تنتفع به، فينتفع به الناس، فهي لم تشرب الماء، فتنتفع بشربها، وإن انتفعت بسقي الماء لغيرها.

وجعل النووي هذا التمثيل لناس لهم قلوب حافظة، لكن ليست لهم أفهام ثاقبة، ولا رسوخ لهم في العقل، ليستنبطوا به المعاني والأحكام، فهم يحفظونه، حتى يأتي طالب محتاج، متعطش لما عندهم من العلم، أهل للنفع والانتفاع، فيأخذه منهم، فينتفع به، اهـ. ويمكن أن يشار إلى هذا النوع بحديث

<<  <  ج: ص:  >  >>