بلال فألق عليه ما رأيت، فليؤذن به، فإنه أندى صوتا منك، فقمت مع بلال، فجعلت ألقيه، ويؤذن به. قال: فسمع ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو في بيته، فخرج يجر رداءه، ويقول: والذي بعثك بالحق يا رسول الله لقد رأيت مثل ما أرى. فقال صلى الله عليه وسلم: فلله الحمد".
وروى ابن ماجه هذا الحديث غير أن فيه "وأمر بالناقوس فنحت" ولا تعارض بين هذه الرواية وبين قوله في الرواية السابقة "هو من أمر النصارى" لأن هذا القول كان ابتداء، ولما اضطر إلى اتخاذ شيء يجمع الناس به إلى الصلاة أمر أن يعمل، ولعله صلى الله عليه وسلم اختار ناقوس النصارى لأنهم أكثر طواعية له صلى الله عليه وسلم، وأكثر مودة إليه من اليهود، قال تعالى:{لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى}[المائدة: ٨٢].
قال الحافظ ابن حجر: قوله "وكان عمر قد رآه قبل ذلك، فكتمه عشرين يوما، ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم" لا يخالفه أن عبد الله بن زيد لما قص منامه، فسمع عمر الأذان "فجاء، فقال: لقد رأيت ..... " لأنه يحمل على أنه لم يخبر بذلك عقب إخبار عبد الله، بل متراخيا عنه لقوله "ما منعك أن تخبرنا"؟ أي عقب إخبار عبد الله. فاعتذر بالاستحياء، فدل على أنه لم يخبر بذلك على الفور. اهـ.
ويبعد هذا الجمع الذي جمع به الحافظ ابن حجر سياق الرواية، إذ فيها "فكتمه عشرين يوما، ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: ما منعك أن تخبرني؟ فقال: سبقني عبد الله بن زيد، فاستحييت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بلال، قم فانظر ما يأمرك به عبد الله بن زيد، فافعله فأذن بلال".
فهذا السياق صريح في أن إخبار عمر لم يكن متراخيا عن إخبار عبد الله، والأولى أن يقال: لعل عمر رآه فلم يحفظه، فتردد وكتمه، وانتظر لعله يراه مرة أخرى أو ينزل به الوحي، وأشار على القوم بالنداء، أي نداء، حتى إذا سمعه خرج يؤيده، فعاتبه صلى الله عليه وسلم على عدم الإخبار فاعتذر بأن الله أراد لعبد الله بن زيد أن يسبقه، فحصل له حينئذ الحياء من التأخير والخجل من التردد.
ويكون قوله "وكان عمر بن الخطاب قد رآه قبل ذلك فكتمه عشرين يوما ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ما منعك أن تخبرني؟ فقال سبقني عبد الله بن زيد، فاستحييت" هذا القول معترض بين كلام عبد الله، إذ أتاني آت، فأراني الأذان، وبين فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: يا بلال، قم فانظر ما يأمرك به عبد الله ... إلخ ولو أنه أخر هذا الكلام المعترض لم يكن هناك توهم لإشكال.
وقد حاول القرطبي أن يجعل حديث الباب في بدء الأذان المعروف المشروع، وأن يجعل بالنداء في قول عمر "أو لا تبعثون رجلا ينادي بالصلاة" أي ينادي بالأذان المعروف، فقال: يحتمل أن يكون عبد الله بن زيد لما أخبر برؤياه، وصدقه النبي صلى الله عليه وسلم بادر عمر فقال: أو لا تبعثون رجلا ينادي أي يؤذن للرؤيا المذكورة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم "قم يا بلال" فعلى هذا فالفاء في سياق حديث ابن عمر هي الفصيحة، والتقدير فافترقوا، فرأى عبد الله بن زيد، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقص عليه، فصدقه فقال عمر .. إلخ. اهـ.
قال الحافظ ابن حجر: إن سياق حديث عبد الله بن زيد الذي رواه أبو داود يخالف ذلك، فإنه يدل