الباب، وفيه الترجيع، وردوا على أبي حنيفة وموافقيه بأن حديث أبي محذورة متأخر عن حديث عبد الله بن زيد، فإن حديث أبي محذورة سنة ثمان من الهجرة، بعد حنين، وحديث عبد الله بن زيد في أوائل الهجرة، كما أن حديث أبي محذورة فيه زيادة، وزيادة الثقة مقبولة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي لقنه إياه؛ فالعمل بحديث أبي محذورة في زيادته أولى من العمل بحديث عبد الله بن زيد، ثم إن الترجيع عمل أهل الحرمين، وهم أعرف بالسنن من غيرهم.
نعم حديث أبي محذورة في روايته المذكورة في هذا الباب لم يتعرض لرفع الصوت أو خفضه في الشهادتين، ولكن روايته في أبي داود تعرضت له، إذ فيها "الله أكبر الله أكبر. الله أكبر الله أكبر" ترفع بها صوتك، ثم تقول:"أشهد أن لا إله إلا الله. أشهد أن لا إله إلا الله. أشهد أن محمدا رسول الله. أشهد أن محمدا رسول الله" تخفض بها صوتك، ثم ترفع صوتك بالشهادة. "أشهد أن لا إله إلا الله. أشهد أن لا إله إلا الله. أشهد أن محمدا رسول الله. أشهد أن محمدا رسول الله".
واختلف القائلون بالترجيع، هل هو ركن، لا يصح الأذان بدونه؟ أو هو سنة ليس ركنا؟ حتى لو تركه صح الأذان مع فوات كمال الفضيلة؟ الأصح أنه سنة.
قال الحافظ ابن حجر: وإنما اختص الترجيع بالشهادتين لأنهما أعظم ألفاظ الأذان. اهـ.
وقال مالك: إن الأذان سبع عشرة كلمة، فأسقط تكبيرتين من أوله.
واحتج بحديث أبي محذورة المذكور في هذا الباب، كما احتج بأنه عمل أهل المدينة، وهم أعرف الناس بالسنن.
واحتج الجمهور على التربيع [أي ذكر الله أكبر في أول الأذان أربع مرات] بأنه عمل أهل مكة وهي مجمع المسلمين في المواسم وغيرها، ولم ينكر ذلك أحد من الصحابة وغيرهم، وأجابوا عن رواية الباب لحديث أبي محذورة بأنه وقع في غير مسلم: الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر. أربع مرات. قال القاضي عياض: ووقع في بعض طرق الفارسي في صحيح مسلم، أربع مرات، وكذلك اختلف في حديث عبد الله بن زيد في التثنية والتربيع، والمشهور فيه التربيع. اهـ.
وذهب البصريون إلى تربيع التكبير الأول، وتثليث الشهادتين وحي على الصلاة، وحي على الفلاح، فيبدأ المؤذن بالتكبير أربعا، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله حتى يصل إلى حي على الفلاح، ثم يعيد كذلك مرة ثانية، ثم يعيد مرة ثالثة، وهو مروي عن الحسن البصري وابن سيرين.
والسبب في هذا الاختلاف اختلاف الآثار، واختلاف اتصال العمل عند كل فريق، فالمدنيون يحتجون لمذهبهم بالعمل المتصل بذلك في المدينة، والمكيون كذلك أيضا يحتجون بالعمل المتصل عندهم، والكوفيون [وهو مذهب أبي حنيفة] يحتجون نفس الاحتجاج، وكذلك البصريون.
وأمام هذا الاختلاف قال أحمد [على طريقته إذا صحت الأحاديث وتعارضت] إن هذه الصفات المختلفة إنما وردت على التخيير، لا على التحديد والإيجاب، فهو من التخيير المباح، فإن ربع