لبيك رسول الله وسعديك. قال "ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله إلا حرمه الله على النار" قال: يا رسول الله، أفلا أخبر بها الناس فيستبشروا؟ قال "إذا يتكلوا" فأخبر بها معاذ عند موته تأثما.
(ملحوظة): هذا الحديث أخره مسلم رحمه الله تعالى عن حديث أبي هريرة، الآتي في الباب التالي وقدمناه للمناسبة.
-[المعنى العام]-
كثيرا ما خرج المسلمون للجهاد مشاة ليس معهم ما يكفيهم من الإبل أو الحمير وكثيرا ما كان الحمار يحمل اثنين، وكذلك البعير، وكثيرا ما كان الجمع منهم يتعاقب الركوب على دابة واحدة، لا تكاد تميز بين صاحبها ومرافقيه.
اشتراكية فريدة لا نراها في أرقى الأمم على مر العصور، وتكافل إسلامي لا عهد له في أي دستور أو تشريع، و (ديمقراطية) عالية لا تكاد تميز بين القائد والجنود.
هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أفضل الخلق على الإطلاق، وسيد ولد آدم ولا فخر، وقائد الأمة وراعيها، يركب حمارا في غزوة من الغزوات، ويركب غيره من جنده النوق والجمال، وليس هذا فحسب، بل ويردف خلفه على حماره أحد الصحابة الأجلاء، معاذ بن جبل.
ثم يضرب المثل الأعلى في حسن المؤانسة، وإزالة الوحشة لدى رفيق السفر، فيناديه: يا معاذ بن جبل، فيجيب معاذ- وقد امتلأ سرورا بحظوة تحديث خير محدث، يجيب- وقد جمع كل مشاعره وأحاسيسه لما بعد النداء، يجيب - وكله آذان صاغية- لبيك وسعديك يا رسول الله، إجابة لندائك ثم إجابة، وسعدا بخطابك بعد سعد يا رسول الله.
ويسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فترة من الوقت والراحلة تسير.
يسكت لحظات تمر على معاذ كساعات، تثور فيها غريزة حب الاستطلاع وتتقد فيها نار التلهف لسماع الحديث، ويرقب الأمر، فإذا به يسمع النداء للمرة الثانية: يا معاذ بن جبل. فيسرع بالإجابة لبيك وسعديك يا رسول الله، وتمضي لحظات سكون مثل التي مضت بعد النداء الأول، والراحلة تسير، ثم يسمع النداء للمرة الثالثة: يا معاذ بن جبل. فيبادر بالإجابة أسرع وأسرع من المرتين السابقتين، لبيك وسعديك يا رسول الله.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل تعلم حق الله على العباد وواجبهم نحوه؟
قال معاذ: الله ورسوله أعلم.
قال صلى الله عليه وسلم: حق الله على العباد أن يوحدوه ولا يتخذوا أربابا من دونه، ولا يشركوا به شيئا.