للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الواقع له أنه قال: لا يجهر بها، وأما الكلام فيها بالنفي والإثبات فلم يقع له ولا لأحد من أصحابه، حتى قال بعضهم: تورع أبو حنيفة وأصحابه فلم يتكلموا في المسألة؛ ولذا قال الكرخي: لا نص لأحد من متقدمي أصحابنا في المسألة، إلا أن أمرهم بإخفائها يدل على أنها ليست من السورة، قال يعلى: سألت عنها محمد بن الحسن، فقال: ما بين دفتي المصحف كلام الله تعالى. قلت: فلم تسر فيها؟ فسكت ولم يجبني.

الرأي الرابع: يرى أنها آية من أول الفاتحة، وهو قول الشافعية بلا خلاف بينهم، وهي كذلك آية كاملة من أول كل سورة غير براءة على الصحيح عندهم، ثم اختلفوا هل هي في الفاتحة وغيرها قرآن على سبيل القطع كسائر القرآن؟ أو على سبيل الحكم، على معنى أنه لا تصح الصلاة إلا بقراءتها في أول الفاتحة، ولا يكون قارئا لسورة غيرها بكمالها إلا إذا ابتدأها بالبسملة، ولا يمسها المحدث؟ جمهورهم [وهو الصحيح] أنها آية على سبيل الحكم، لاختلاف العلماء فيها، ولأنه لا خلاف بين المسلمين أن نافيها لا يكفر، ولو كانت قرآنا قطعا لكفر، كمن نفى غيرها.

ويتلخص لنا من هذا العرض الموجز أن الرأي الأول والثاني على أنها ليست قرآنا في أوائل السور. وسنعرض لدليل كل من الفريقين، وموقفه من أحاديث الباب، باذلين الجهد في الحصر والإيجاز، فقد بلغ اهتمام الأوائل بهذه المسألة أن ألفوا فيها كتبا، وصنفوا فيها تصانيف مقررة، وقد جمع الشيخ أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي الدمشقي معظم الأقوال والمصنفات فيها في كتابه المشهور، وهو مجلد كبير، وبالله التوفيق.

احتج من نفاها في أول الفاتحة وغيرها من السور

(أ) بأن القرآن لا يثبت بالظن، ولا يثبت إلا بالتواتر.

(ب) وبحديث أبي هريرة [الرواية الثالثة من روايات الباب السابق] وفيه "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل. فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين ... " إلى آخر الحديث، ولم يذكر البسملة.

(جـ) وبحديث أبي هريرة "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن من القرآن سورة ثلاثون آية، شفعت لرجل حتى غفر له، وهي {تبارك الذي بيده الملك} [الملك: ١] " رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن. وقد أجمع القراء على أنها ثلاثون آية سوى البسملة.

(د) وبحديث عائشة في مبدأ الوحي "أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: {اقرأ بسم ربك الذي خلق* خلق الإنسان من علق* اقرأ وربك الأكرم} [العلق: ١ - ٣] ولم يذكر البسملة في أولها" رواه البخاري ومسلم.

(هـ) وبحديث أنس [روايتنا الثالثة من هذا الباب] وفيه "صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان، فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين، لا يذكرون بسم الله الرحمن الحيم في أول قراءة ولا في آخرها".

<<  <  ج: ص:  >  >>