للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بهذا المطهر الكريم أمرنا الإسلام، وتعهد الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه وما كان ليترك إخلالا بهذا الوضع إلا عالجه في حينه صلى الله عليه وسلم.

لقد رأى في يوم من الأيام أصحابه يصلون وحدهم، فلما انتهوا من الصلاة وسلموا رآهم يقولون عن اليمين: السلام عليكم، ويشيرون بأيديهم إلي من على يمينهم بإشارة السلام، ويقولون ويفعلون جهة الشمال مثلما قالوا ومثلما فعلوا جهة اليمين. فقال لهم: مالكم ترفعون أيديكم وتحركونها، وتشيرون بها؟ كأنها أذناب خيل مستنفرة؟ شرسة شاردة لا تستقر أمام صاحبها؟ اسكنوا ولا تتحركوا بحركات تخل بالصلاة.

وخرج صلى الله عليه وسلم مرة أخرى على أصحابه، فرآهم في صلاتهم معوجة صفوفهم مخلخلة غير متصلة، كأنها حلقات مكسرة متحطمة، فقال لهم: مالكم متفرقين منقطعين في صلاتكم؟ ينبغي أن تكون صفوفكم كصفوف الملائكة. قالوا: وكيف يصف الملائكة أنفسهم؟ قال: يتراصون ويتلاصقون في الصف، ويكملون الصف الأول فالثاني فالثالث إلى آخر الصفوف. وصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة أخرى، فلما سلم ونظر إليهم وجدهم يشيرون بأيديهم حين سلامهم عن اليمين وعن الشمال، فقال لهم: لماذا تشيرون بأيديكم؟ لا يحرك أحدكم يده، وليبقها ساكنة على فخذه وليكتف حين السلام بالالتفات عن اليمين، يسلم على إخوته الذين عن اليمين، ثم الالتفات عن الشمال، يسلم على إخوته الذين على الشمال.

-[المباحث العربية]-

(خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي من بيته إلى المسجد، أو المراد من الخروج الطلوع والظهور.

(فقال: مالي أراكم) "ما" اسم استفهام مبتدأ، و"لي" جار ومجرور خبر وجملة "أراكم" في محل النصب على الحال، وجملة: فقال: "معطوف على محذوف، أي فرآنا في حالة كذا فقال: أي شيء حصل لي حالة رؤيتي لكم؟ والاستفهام وإن كان في صورته استفهاما عن رؤية نفسه، وتعجبا من هذه الرؤية، إلا أن المقصود التعجب من حالهم وكان حقه أن يقول: مالكم تفعلون كذا؟ لكنه آثر أسلوب التعريض.

(رافعي أيديكم) "رافعي" حال من مفعول "أراكم" لأنها بصرية، والمراد من رفع الأيدي رفعها عن الفخذ والإشارة بها يمينا وشمالا، وجمع الأيدي لجمع أصحابها. ومقابلة الجمع بالجمع تقتضي القسمة آحادا، كأنه قال: ما لي أراكم رافعا كل منكم يده، أي يمينه يشير بالسلام.

(كأنها أذناب خيل شمس) بضم الشين وسكون الميم وضمها، جمع شموس والشموس من الدواب الذي لا يستقر لشغبه وحدته، والمقصود من هذا التشبيه التنفير، وقد استخدم فيه ثلاثة مشبهات بها منفرة. تشبيه الأيدي التي في مقدمة الإنسان ورمز قوته بالأذناب التي في المؤخرة،

<<  <  ج: ص:  >  >>