للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

-[المعنى العام]-

صلاة الجماعة تدريب على النظام والطاعة، وكما سبق أن قلنا إنها تدرب على دقة متابعة الجندي لقائده نقول: وإنها للاجتماع، فإذا ما التزمنا كون الإمام أعلم القوم، ووليه أصحاب العقول والعلم، الأرسخ فالأقل رسوخا، وإذا ما التزمنا تسوية الصفوف واعتدالها واستقامتها، وإذا ما التزمنا الهدوء والسكينة عند إقامة الصفوف، ثم تابعنا حركات الإمام فلم نتقدم عليه ولم نتأخر كثيرا عنه، إذا ما التزمنا كل ذلك حققنا هدف صلاة الجماعة. وظفرنا بأجر يعادل أجر صلاة الفرد سبعا وعشرين مرة.

ولقد حرص صلى الله عليه وسلم على أن يعلم أمته هذه المبادئ عملا وقولا، فكان صلى الله عليه وسلم يمر بين الصفوف يعدل الناس فيها، ويضع منكب وكتف الواحد موازيا لمنكب وكتف الآخر، يسوي بيده الشريفة المناكب ويرص القوم في الصف رصا كالبنيان المستقيم، حتى إذا اطمأن إلى استجابتهم، وإلى محافظتهم جهد الطاقة على الاعتدال وتسوية الصفوف اكتفى بالقول عن الفعل، وأصبح يذكرهم في كل صلاة بواجب تسوية الصفوف، فيلتفت يمينا ويقول: استووا. سووا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة ومن محاسنها، ثم يلتفت يسارا فيقول مثل ذلك لمن على يساره، وكان صلى الله عليه وسلم حينما يرى خللا في استواء الصفوف بعد طول التذكير والوعظ يلجأ إلى الشدة والوعيد، ويحذر من اختلاف الصفوف بأنه يؤدي إلى اختلاف القلوب واختلاف الكلمة، فيقول: استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم، بل كان يخوف ويدفع النفوس الضعيفة إلى استشعار أنه صلى الله عليه وسلم يراهم من خلف ظهره. وكان يقدم تسوية الصفوف على الإسراع بالصلاة، بل كان يوقف تكبيرة الإحرام وقد تهيأ للدخول في الصلاة لينذر المخالف للصف، فقد وقف يؤم القوم يوما، وطلب عن يمين وشمال تسوية الصفوف، فلحظ رجلا لا يسوي صدره مع صدر الآخرين، فغضب. وقال: يا عباد الله لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم وقلوبكم، وأصبح المسلمون قائمين بأمر الله وعلى أمره، يعدل كل منهم نفسه، ويعدل من يخالف ممن يجاوره، فنشأ نتيجة لهذه الحركات بعض الجلبة والضوضاء، فهناهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال لهم احذروا المنازعات والاحتكاكات فليست الصلاة كالأسواق، واعتدلوا في هدوء وعدلوا أنفسكم في سكينة ووقار.

ولقد طلب صلى الله عليه وسلم من أصحابه أن يتقدم إلى الصف الأول أولو العقول والفهم والعلم، ولكن كيف يستجيبون لذلك وهم المتواضعون الذين يحسنون الظن بغيرهم قبل أن يحسنوه بأنفسهم، من منهم الذي يدعي لنفسه أنه خير القوم عقلا وعلما حتى يتقدم؟ لقد دفعهم تواضعهم وهضمهم لأنفسهم أن يتأخروا عن الصف الأول، حتى كاد يختل توازنه، بل حتى خلا الصف الأول، وأصبح بين الإمام وبين المأمومين ما يسع صفا أو أكثر، ولم يتغلب الترغيب في الصف الأول على هذا الشعور، لم يتغلب على هذا الشعور قوله صلى الله عليه وسلم: "لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول [من الأجر الكبير] لتسابقوا حتى يقترعوا، لو تعلمون ما في الصف الأول لكانت قرعة لمن يقف فيه، إن

<<  <  ج: ص:  >  >>