للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

صلى الله عليه وسلم والتبليغ عنه لمن لم يبلغه، وبالمتابعة قدروا ما يقرأ في كل ركعة من الركعة الأولى والثانية من صلاة الظهر بما يقرب من ثلاثين آية، وقدروا قراءته في كل من الركعتين الثالثة والرابعة بما يقرب من خمس عشرة آية، الفاتحة وبعض الذكر أو الفاتحة وسورة على خلاف بينهم، وقدروا ما يقرأ في كل من الأوليين من صلاة العصر بنحو خمس عشرة آية، وما يقرأ في كل من الأخريين من صلاة العصر بما يقرب من سبع آيات قدر الفاتحة.

والحكمة في إطالة الظهر ومثله الصبح أنهما وقت غفلة النوم - آخر الليل والقيلولة - فيطولهما ليدركهما المتأخر بغفلة ونحوها، أما العصر ففي وقت تعب أهل الأعمال فخففت عن الظهر.

بل قدروا أنه صلى الله عليه وسلم يطيل في الركعة الأولى عن الثانية في صلاة الظهر، ليمكن الغافل والمتأخر من اللحاق به مستفيدا بنشاط المصلين في أول الصلاة لدرجة أن غير المتوضئ كان يمكنه بعد إقامة الصلاة أن يذهب إلى مكان التغوط في خارج المباني فيقضي حاجته، ثم يعود إلى أهله فيتوضأ، ثم يدرك الرسول صلى الله عليه وسلم وهو مازال في الركعة الأولى.

واقتدى الصحابة بما كان عليه صلى الله عليه وسلم، واتبع أئمتهم وولاتهم الأسلوب نفسه مع المسلمين حين يؤمونهم.

وفترت همم المسلمين، فرغبوا في التخفيف، وعابوا على أئمتهم هذا التطويل، لكن الأئمة المتمسكين لم يخففوا من أجل الرغبة في التخفيف، إنهم أمروا بالتخفيف للمريض والضعيف وذي الحاجة، ولم يؤمروا بالتخفيف استجابة للمتكاسلين، من هؤلاء الأئمة سعد بن أبي وقاص والي الكوفة من قبل الخليفة عمر بن الخطاب. إنه الرجل الذي قاد جيوش المسلمين، وفتح الله على يديه العراق، وهو الذي خطط لبناء مدينة الكوفة، إنه المسلم القوي الذي يأخذ بالعزيمة ويربأ المسلمين على الرخص والضعف والقصور، طلبوا إليه التخفيف فأبى، فشكوه إلى خليفة المسلمين عمر بن الخطاب، واتهموه تهما باطلة ليقووا دعواهم. فذهب قلة منهم إلى المدينة يقولون لعمر: إن سعدا لا يحسن يصلي وإنه حابى في بيع خمس باعه، وإنه صنع على داره بابًا من خشب له مغلق، وإنه يطلب من أهل السوق ألا يرفعوا أصواتهم لعدم إزعاجه، لأن بيته قريب من السوق، وزعموا أنه كان يلهيه الصيد عن الخروج مع السرايا.

ولم يجد العادل عمر بدا من أن يرسل إليه يستقدمه، وقدم سعد على عمر قال له عمر: لقد شكوك في كل شيء حتى الصلاة، ودافع سعد، فقال: إنها صلاة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأنا لا أعدل عنها، وكيف يعلمنا هؤلاء الأعراب الصلاة؟ إنني أطول بهم في الركعتين الأوليين، وأخفف في الركعتين الأخريين، كما كان يفعل معنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عمر: أحسنت يا أبا إسحق لا نظن بك إلا كل خير، ولا نظنك تحيد عن السنة.

ودافع سعد عن بقية التهم: وماذا يفعل عمر ليتبين الحقيقة؟ لقد أرسل رسولين مع سعد إلى الكوفة ليسألا الناس عن سعد، وعما جاء في الاتهام، فلم يتركا مسجدا من مساجد الكوفة إلا سألا

<<  <  ج: ص:  >  >>