(أسمع بكاء الصبي) قال العيني، البكاء إذا مددت أردت به الصوت الذي يكون معه، وإذا قصرت أردت خروج الدمع، وهنا ممدود لا محالة بقرينة "فأسمع" إذ السماع لا يكون إلا في الصوت. اهـ وليس المقصود بالصبي خصوص الذكر، بل ومثله الصبية.
(فأخفف من شدة وجد أمه به) أي فأخفف الصلاة، وقال النووي: الوجد يطلق على الحزن وعلى الحب أيضًا، وكلاهما سائغ هنا، والحزن أظهر أي من حزنها واشتغال قلبها به. اهـ.
-[فقه الحديث]-
قال ابن دقيق العيد: التطويل والتخفيف من الأمور الإضافية فقد يكون الشيء خفيفا بالنسبة إلى عادة قوم، طويلا بالنسبة لعادة آخرين. اهـ
وظاهر الأحاديث أن تخفيف الصلاة إنما هو مراعاة لحال المأمومين، ومن هنا قال بعضهم: لا يكره التطويل إذا علم رضا المأمومين، واعترض بأن الإمام لو فرض علمه بحال من بدأ الصلاة معه فإنه لا يعلم حال من قد يأتي فيأتم به بعد دخوله في الصلاة، قال الحافظ ابن حجر: فعلى هذا يكره التطويل مطلقا إلا إذا فرض في مصل بقوم محصورين راضين بالتطويل في مكان لا يدخله غيرهم. اهـ
وقال اليعمري: الأحكام إنما تناط بالغالب، لا بالصورة النادرة فينبغي للأئمة التخفيف مطلقا. وهذا كما شرع القصر في صلاة المسافر، وعلل بالمشقة، وهو مع ذلك يشرع ولو لم يشق، عملا بالغالب لأنه لا يدري ما يطرأ عليه وكذلك هنا.
-[ويؤخذ من الأحاديث: ]-
١ - قال النووي: في الأحاديث الأمر للإمام بتخفيف الصلاة، بحيث لا يخل بسننها ومقاصدها، وأنه إذا صلى لنفسه طول ما شاء في الأركان التي تحتمل التطويل، وهي القيام والركوع والسجود والتشهد، دون الاعتدال والجلوس بين السجدتين. اهـ وسيأتي مزيد لهذا البحث في الباب التالي.
٢ - يؤخذ من قوله "إني لأتأخر عن صلاة الصبح" جواز التأخر عن صلاة الجماعة إذا علم أن من عادة الإمام التطويل الكثير، حيث لم يعنف رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل.
٣ - وفيه جواز ذكر الإنسان بهذا ونحوه في معرض الشكوى والاستفتاء.
٤ - وفيه الغضب لما ينكر من أمور الدين والغضب في الموعظة، قال ابن دقيق العيد: وسبب غضبه صلى الله عليه وسلم إما مخالفة الموعظة [إن قلنا بسبق العلم، باحتمال كون هذه القصة بعد قصة معاذ، وعليه أتى بصيغة الجمع هنا] أو للتقصير في تعلم ما ينبغي تعلمه، ويحتمل أن يكون ما ظهر من الغضب لإرادة الاهتمام بما يلقيه لأصحابه، ليكونوا من سماعه على بال، لئلا يعود من فعل ذلك إلى مثله اهـ قال الحافظ ابن حجر: وهذا أحسن في الباعث على أصل إظهار الغضب، أما كونه أشد فالاحتمال الثاني أوجه. اهـ