حلو، ثم أثبت للمشبه لازم المشبه به، وهو الطعم على سبيل الاستعارة التخييلية، والذوق كناية عن الإدراك.
(من رضي بالله ربا) الرضا بالشيء قد يكون بمعنى القناعة به، وقد يكون بمعنى الإيثار له وتفضيله عما عداه، وسيأتي في فقه الحديث آراء العلماء في حقيقة الرضا على الله تعالى.
-[فقه الحديث]-
اختلف العلماء في درجة الإيمان المقصودة بالحديث، فذهب بعضهم إلى أنه يشير إلى كمال الإيمان وغايته، وذهب آخرون إلى أنه يشير إلى أول درجاته ومبدئه. ووجهة نظر الأولين أن من لم يطلب غير الله، ولم يسع في غير طريق الإسلام، ولم يسلك إلا ما يوافق شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، من كانت هذه صفته فقد خلصت حلاوة الإيمان إلى قلبه، وخامر باطنه وذاق طعمه، واستغرق في الطاعات ولذت له، لأن من رضي أمرا سهل عليه معالجته.
فهذا الفريق يفسر الرضا بالإيثار (وهو تفسير صحيح) ولا شك أن من يؤثر الله على جميع من عداه، ويؤثر الإسلام على جميع الشرائع، ويؤثر طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم على طاعة غيره من النفس والهوى والشيطان، فقد وصل إلى درجة الخواص واستحلى الإيمان، وذاق طعمه.
ووجهة نظر الأخيرين أنه لو أريد من الحديث غاية الإيمان وكماله لم يعبر عنهما بالذوق، إذ لا يعبر عن غاية الشيء بمبدئه، لأن الذوق مبدأ الفعل.
ويدفع الأولون هذا الإيراد بأن كون الذوق مبدأ الفعل إنما هو إذا استعمل في المحسوسات كذوق الطعام، أما إذا استعمل في المعاني كما هنا فقد صح أن يكون كناية عن كمال الإدراك.
ويتمثل هذا الرأي في جماعة الصوفية الذين يحملون الرضا بالله ربا على الرضا عن الله وعن جميع أوامره وعن جميع أفعاله، فيفسره الجنيد بأنه رفع الاختيار، ويفسره المحاسبي بأنه سكون النفس تحت مجاري القدر.
ويفسره النووي: بأنه السرور بمر القضاء. ويفسره الداراني بأنه بلوغ المرء درجة يرضى بها عن الله حتى لو أدخله النار.
والذي ترتاح إليه النفس أن الحديث يشير إلى مبدأ الإيمان، منبها إلى أن هذه الأمور الثلاثة وإن اقتضت الذوق فليست هي الكمال، وليس الذوق هو غاية المقصود الذي يقف عنده الكيس، بل هو مبدأ للترقي في المقامات وشدة الشوق إلى نيل الذروة، والحرص على الشبع.
ويؤيد ذلك إبدال كلمة الذوق بالوجود، وكلمة الطعم بالحلاوة، حيثما حصل الترقي في