الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد خوى بيديه (يعني جنح) حتى يرى وضح إبطيه من ورائه وإذا قعد اطمأن على فخذه اليسرى.
٩١٨ - عن ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد جافى حتى يرى من خلفه وضح إبطيه قال وكيع يعني بياضهما.
-[المعنى العام]-
السجود أكبر صور العبادة، وأقواها في إبراز معنى الخضوع والتذلل والاستسلام، ومن هنا فهو المقرب الأول بين العبد وربه، مصداقًا لقوله صلى الله عليه وسلم:"أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء في السجود" وقوله جل شأنه: {واسجد واقترب}[العلق: ١٩]
وقد حرص الإسلام على إعطاء السجود في الصلاة كل مظاهر الخضوع والاستسلام: انحناء الهامة وخفض الرأس، وإلصاق الوجه بالأرض، وتمكين الجبين والأنف منها، والجثو على الركب، مظهر العجز وعدم القدرة، وقلب القدمين بجعل ظهرهما باطنًا وباطنهما ظاهرًا، أمارة سلب الحركة وضعف النهوض، ووضع الكفين مفروشتي الأصابع على الأرض، فلا حول لليد ولا طول.
هكذا رسم الإسلام سجود الصلاة، فقال صلى الله عليه وسلم: أمرني ربي أن أسجد أنا وأمتي على سبعة أعظم (سبحانك ربي: تلك لفتة دقيقة لبني البشر إنهم ينظرون إلى العظام نظرة الحقارة وعدم التقدير، إنهم يرمزون للشيء التافه بالعظم، لهذا عبر صلى الله عليه وسلم عن الأعضاء التي يعتز بها الإنسان ويشمخ بها، ويتعالى بعضه على بعض بها، يشيح بوجهه، ويضع أنفه في السماء، ويتخايل بهامته وانتصابه، ويطغى بقوة يديه ورجليه. كل هذه الأعضاء وسيلة العدوان والتعالي والطغيان ما هي إلا عظام، مآلها إلى العظام، وفي غمضة عين يمكن أن تسلب الحياة فتصبح كالعظم) الوجه بجبهته وأنفه، واليدان براحتيهما وأصابعهما، والرجلان بركبتيهما وساقيهما، والقدمان بأصابعهما وأمرت في صلاتي أن أرسل شعري ولا أضم ثوبي، إعراضًا عن مظاهر التجمل والحسن، وجمعًا للحس والشعور وعدم الحركة بغير حركات الصلاة.
لم يكتف صلى الله عليه وسلم برسم صورة السجود بالقول، بل أخذ يشرح لهم الهيئة المطلوبة بالعمل، وهو القدوة الحسنة صلى الله عليه وسلم، من رآه اقتدى به، ومن لم يسعد بالرؤية سمع وصف من رأى. فقد كان صلى الله عليه وسلم إذا سجد فرج بين يديه، وباعد بين كل منهما وبين الجنب الذي يليها، فتكون هذه فرجة، وسعة بين الجنب وبين المرفق تسمح بمرور شاة صغيرة لو أرادت