أن ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم زيادة تقدير وأدب لأخيه سليمان عليهما وعلى جميع الأنبياء السلام. ولست مع القاضي عياض في قوله: معناه أنه مختص بهذا فامتنع صلى الله عليه وسلم من ربطه، إما لأنه لم يقدر عليه لذلك، وإما لكونه لما تذكر ذلك لم يتعاط ذلك لظنه أنه لم يقدر عليه. اهـ
قال النووي: وفي الحديث دليل لجواز دعاء المصلي لغيره وعلى غيره بصيغة المخاطبة لقوله في الحديث "ألعنك بلعنة الله" ثلاثًا. وجمهور العلماء على خلافه والأحاديث السابقة في الباب الذي قبله في السلام على المصلي تؤيد الجمهور ويحمل هذا الحديث على أنه كان قبل تحريم الكلام في الصلاة. واستدل بهذا الحديث أن العمل القليل لا يبطل الصلاة أخذًا من دعه صلى الله عليه وسلم للعفريت، وليس من محاولة ربطه لأنه يحتمل أن يكون ربطه بعد تمام الصلاة.
ومن قوله "والله لولا دعوة أخي سليمان ... " أخذ جواز الحلف من غير استحلاف لتفخيم ما يخبر به الإنسان وتعظيمه والمبالغة في صحته وصدقه. قال النووي: وقد كثرت الأحاديث بمثل هذا.
واستدل به البخاري على جواز ربط الأسير والغريم بالمسجد، وقال المهلب: إن في الحديث جواز ربط من خشي هروبه بحق عليه أو دين والتوثق منه في المسجد أو غيره.
وقال العيني: في الحديث دليل على أن الجن ليسوا باقين على عنصرهم الناري، لأنه صلى الله عليه وسلم قال "إن عدو الله إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي" ولو كانوا باقين على عنصرهم الناري وأنهم نار محرقة لما احتاجوا إلى أن يأتي الشيطان أو العفريت منهم بشعلة من نار، ولكانت يد الشيطان أو العفريت أو شيء من أعضائه إذا مس ابن آدم أحرقه كما تحرق الآدمي النار الحقيقية بمجرد اللمس، فدل على أن تلك النارية انغمرت في سائر العناصر حتى صار إلى البرد، ويؤيد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم "حتى وجدت برد لسانه على يدي".