(المسح في المسجد)"أل" في المسح للعهد، ولما أحس الراوي أن العهد بعيد فسره بقوله: يعني. أي مسح الحصى وتسويته في المسجد في موضع السجود.
(إن كنت -لا بد- فاعلاً فواحدة)"لا بد" اعتراضية بمعنى لا مفر.
روي "واحدة" بالنصب والرفع، أما النصب فهو صفة لمصدر محذوف مع فعل أمره، والتقدير: فامسح مسحة واحدة، وأما الرفع فعلى الابتداء، وخبره محذوف تقديره: فواحدة تكفيك.
-[فقه الحديث]-
المسح في الصلاة يحتمل مسح الجبهة مما علق بها أثناء السجود، ويحتمل مسح الأرض وتسويتها وتمهيدها لمكان الجبهة في السجود، والظاهر أن المراد من الأحاديث الثاني، لأن الرواية الأولى تفسر الممسوح بالحصى، وقلما يعلق بالجبهة، كما أن الرواية الثالثة صريحة في أن المقصود بالمسح التسوية وهي لا تقال على مسح الجبهة.
قال النووي: ومعنى "إن كنت لا بد فاعلاً فواحدة" أي لا تفعل، وإن فعلت فافعل واحدة، فهو نهي عن المسح. وهو نهي كراهة تنزيه. قال: واتفق العلماء على كراهة المسح. اهـ. ومراده جمهور العلماء وليس الإجماع. وقد حكى الشوكاني أن مالكًا لم ير به بأسًا، وكان يفعله في الصلاة، قال العراقي: وكان ابن مسعود وابن عمر يفعلانه في الصلاة، وذهب أهل الظاهر إلى تحريم ما زاد على الواحدة. اهـ.
وعندي أن يفرق بين المسح لحاجة ولمصلحة الصلاة، وبين ما كان للتنعم وكمال الارتياح، فإذا كانت الأرض مليئة بحصى مدبب كالشوك، أو بتراب به عيدان وقش يحول دون التمكن من السجود كان المسح الموصل إلى التسوية مسحة أو مسحتين لا كراهة فيها، لأنها لصالح الصلاة، وعلى هذه الحالة يحمل عمل الإمام مالك وابن مسعود وابن عمر وغيرهم. واللَّه أعلم. والعلة في النهي أنه ينافي التواضع ولأنه يشغل المصلي. قاله النووي. وعن أبي ذر قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم "إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإن الرحمة تواجهه فلا يمسح الحصى" ومعناه أن المسح في الصلاة يشغل خاطر المصلي ويلهيه عن مواجهة رحمة اللَّه في الصلاة. وظاهره أن النهي موجه للمصلي في حال صلاته، أما من يسوي مكانًا قبل الصلاة استعدادًا لها فلا شيء فيه، نعم قيل: بدخوله في النهي لئلا يشتغل بغير الصلاة عند إرادتها. ولكن هذا القول لا يعتد به، ولا يحتج له برواية الترمذي "إذ قام أحدكم إلى الصلاة" فإن رواية معيقيب وهي أولى بالقبول عن المسح في الصلاة. وقيل: إن الحكمة في النهي عن مسح الحصى أن لا يغطي شيئًا من الحصى المكشوف، فيفوت بمسحه السجود عليه، واستند لهذه الحكمة بما رواه ابن أبي شيبة في المصنف عن أبي صالح قال:"إذا سجدت فلا تمسح الحصى، فإن كل حصاة تحب أن تسجد عليها" وهذا قول بعيد. والتقييد بالحصى في كثير من الروايات خروج على الغالب حيث كان الغالب على مساجدهم فرشها بالحصى. ولا فرق بينه وبين التراب والرمل، يؤكد هذا الرواية الثالثة وفيها تسوية التراب.
قال النووي: وكره السلف مسح الجبهة مما يعلق بها من غبار ونحوه في الصلاة وقبل الانصراف من المسجد.