ذلك الصائم، فلا تكره صلاته بحضرة الطعام، إذ الممتنع بالشرع لا يشغل نفسه به، لكن إذا غلب استحب له التحول من ذلك المكان. اهـ
وحكم الصلاة بحضور الطعام مع الميل إليه الكراهة، وتصح الصلاة عند الجمهور. قال النووي: في هذه الأحاديث كراهة الصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله لما فيه من اشتغال القلب به، وذهاب كمال الخشوع، وكراهيتها مع مدافعة الأخبثين، ويلحق بهذا ما كان في معناه مما يشغل القلب ويذهب كمال الخشوع، وهذه الكراهة عند جمهور الشافعية وغيرهم إذا صلى كذلك وفي الوقت سعة، فإذا ضاق بحيث لو أكل خرج الوقت صلى على حاله محافظة على حرمة الوقت، ولا يجوز تأخيرها، وحكى المتولي عن بعض الشافعية أنه لا يصلي بحاله، بل يأكل وإن خرج الوقت. لأن مقصود الصلاة الخشوع، فلا يفوته. اهـ قال الحافظ ابن حجر تعليقًا على الرأي الثاني: وهذا إنما يجيء على قول من يوجب الخشوع، ثم فيه نظر، لأن المفسدتين إذا تعارضتا اقتصر على أخفهما. وخروج الوقت أشد من ترك الخشوع، بدليل صلاة الخوف، وصلاة الغريق وغير ذلك. اهـ
ثم قال النووي: وإذا صلى على حاله وفي الوقت سعة فقد ارتكب المكروه وصلاته صحيحة عند الجمهور لكن يستحب إعادتها ولا يجب. اهـ
وعلى هذا فالأمر بتقديم العشاء على الصلاة للندب عند الجمهور، لكن منهم من قيده بمن كان محتاجًا إلى الأكل، ومنهم من قيده بذلك وبما إذا خشى فساد المأكول، ومنهم من لم يقيده، وهو قول الثوري وأحمد، وأفرط ابن حزم الظاهري فجعل الأمر للوجوب، وقال: تبطل الصلاة. ومن الجمهور من اختار البداءة بالصلاة إلا إن كان الطعام خفيفًا، نقله ابن المنذر عن مالك، وعند أصحابه تفصيل، قالوا: يبدأ بالصلاة إن لم يكن متعلق النفس بالأكل، أو كان متعلقًا به لكن لا يعجله عن صلاته، فإن كان يعجله عن صلاته بدأ بالطعام واستحبت له الإعادة.
-[ويؤخذ من الحديث فوق ما تقدم]-
١ - أخذ بعضهم من قوله في الرواية الثالثة "إذا وضع عشاء أحدكم" أن المراد عشاء من يريد الصلاة، فلا يتناول ما إذا وضع عشاء غير من يريد الصلاة. قال الحافظ ابن حجر: يحتمل بالنظر إلى المعنى أن يقال: لو كان جائعًا واشتغل خاطره بطعام غيره كان كذلك، وسبيل خلاصه من ذلك أن ينتقل عن ذلك المكان، أو يتناول مأكولاً يزيل شغل باله ليدخل في الصلاة وقلبه فارغ ويؤيد هذا عموم الروايات الأخرى [أي روايتنا الأولى والثانية والرابعة].
٢ - قصر ابن دقيق العيد الحكم على الصائم، وحمل الروايات المطلقة على المقيدة بلفظ العشاء وبلفظ المغرب، وبما جاء في ابن حبان والطبراني في رواية صحيحة "إذا وضع العشاء وأحدكم صائم" والجمهور على العموم قال الحافظ ابن حجر نقلاً عن الفاكهاني: إن العلة التشويش المفضي إلى ترك الخشوع والجائع غير الصائم قد يكون أشوق إلى الأكل من الصائم.
٣ - ادعى ابن حزم أن في الحديث دليلاً على امتداد الوقت في حق من وضع له الطعام ولو خرج