(فليتحر الصواب)"فلينظر أحرى ذلك للصواب". "فليتحر أقرب ذلك إلى الصواب". "فليتحر الذي يرى أنه الصواب" هذه الروايات توضح معنى التحري، إذ التحري للصواب في اللغة طلب ومحاولة الوصول إلى الصواب، أو إلى ما يقرب من الصواب، والتحري في الأصل هو القصد، ومنه قوله تعالى:{فأولئك تحروا رشدًا}[الجن: ١٤] والشك في اللغة التردد بين وجود الشيء وعدمه - سواء مستوى الطرفين أو الراجح والمرجوح، وفي اصطلاح الأصوليين هو ما استوى طرفاه، وقد أمر الحديث بالتحري، وأمر بطرح الشك والبناء على اليقين والتحري مقدم على البناء على اليقين، فإذا عرض الشك وجب التحري ومحاولة الوصول، فإن أمكن الخروج بالتحري عن دائرة الشك والوصول إلى الاستيقان بأنه صلى ثلاثًا أو أربعًا عمل بهذا التحري، ولا يطلب منه أن يبني على الأقل لأن الحديث قد شرط للبناء على الأقل عدم الدراية، إذ قال "إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى"؟ الرواية السابعة، وإن لم يصل به تحريه إلى اليقين وبقي الشك وعدم الدراية بنى على الأقل وطرح الشك. وهذا طريق جيد للجمع بين الأحاديث. وسيأتي البحث في فقه الحديث.
(فانفتل) أي تحول بجسمه إلى جهة القبلة، حيث كان مستقبل القوم بعد انتهاء الصلاة.
(توشوش القوم بينهم) قال النووي: ضبطناه بالشين المعجمة، وقال القاضي: روي بالمعجمة وبالمهملة، وكلاهما صحيح، ومعناه تحركوا، ومنه وسواس الحلي، وهو تحركه، ووسوسة الشيطان، قال أهل اللغة: الوشوشة بالمعجمة صوت في اختلاط، قال الأصمعي: ويقال: رجل وشواش أي خفيف.
(ثم سجد سجدتي السهو) السهو الغفلة عن الشيء وذهاب القلب إلى غيره، قال الحافظ ابن حجر: وفرق بعضهم بين السهو والنسيان، وليس بشيء اهـ قال العيني: بل بينهما فرق دقيق وهو أن السهو أن ينعدم له شعور والنسيان له فيه شعور، اهـ والحق مع الحافظ ابن حجر فإن السجود سمى سجود السهو، والذي حصل من النقص أو الزيادة عبر عن سببه بالنسيان، فكل منهما مستعمل هنا بمعنى الآخر دون تفرقة.
(وهو جالس) جملة حالية متعلقة بقوله "فليسجد" أي فلينشئ السجود جالسًا. وإنما شرحنا هذا الشرح لأن حالة السجود غير حالة الجلوس.
(ثم تحول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم) أي من مواجهة المصلين إلى استقبال القبلة فهو بمعنى "انفتل".
(إحدى صلاتي العشى إما الظهر وإما العصر) قال الأزهري: العشى عند العرب ما بين زوال الشمس وغروبها. وفي الرواية السادسة عشرة "صلاة العصر" وفي السابعة عشرة "صلى ركعتين من صلاة الظهر" وكذا في الرواية الثامنة عشرة صلاة الظهر، قال الحافظ ابن حجر: والظاهر أن الاختلاف من الرواة، وأبعد من حمل الاختلاف على تعدد القصة وأنها وقعت مرتين. بل روى النسائي أن الشك من أبي هريرة، ولفظه صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشى. قال أبو هريرة: ولكني