وقال الجوهري الموتر الذي قتل له قتيل فلم يدرك بدمه. اهـ. فالحديث يشبه من فاتته العصر، بمن ضاع أهله وماله، وهدفه: فليحذر من تفويتها بالحذر من ذهاب الأهل والمال، وقال الداودي: هدفه أن يتوجه عليه من الاسترجاع ما يتوجه على من فقد أهله وماله، فيتوجه عليه الندم والأسف. اهـ. والأولى مراعاة الأمرين. أي ليحذر، فإن وقع فليأسف وليعمل.
-[فقه الحديث]-
يتناول الحديث مسألتين أساسيتين: الأولى: المراد من تفويت العصر. الثانية: لم خص العصر بالتحذير؟ وهل غيره مثله؟ .
أما الأولى فقد قال القاضي عياض المالكي: واختلفوا في المراد بفوات العصر في هذا الحديث، فقال ابن وهب وغيره: هو فيمن لم يصلها في وقتها المختار، وقال سحنون: هو أن تفوته بغروب الشمس، وقيل: أن يفوتها إلى أن تصفر الشمس، كذا ورد مفسرًا في رواية الأوزاعي. قال: وفواتها أن تدخل الشمس صفرة، قال الحافظ ابن حجر: ولعله مبني على مذهبه في خروج وقت العصر.
والظاهر أن المراد من تفويتها إخراجها عن وقتها، يؤيد ذلك ما رواه عبد الرزاق عن ابن جريج عن نافع فذكر نحو هذا الحديث، وزاد: قلت لنافع: حين تغيب الشمس؟ قال: نعم. قال الحافظ ابن حجر: وتفسير الراوي إذا كان فقيهًا أولى من غيره. اهـ.
وقال المهلب ومن تبعه من الشراح: إنما أراد فواتها في الجماعة، لا فواتها باصفرار الشمس أو بمغيبها، قال: ولو كان لفوات وقتها كله لبطل اختصاص العصر، لأن ذهاب الوقت موجود في كل صلاة، قال الحافظ: ونوقض بعين ما ادعاه، لأن فوات الجماعة موجود في كل صلاة. اهـ.
وحمله الترمذي على السهو عن وقت العصر، ووجهه الحافظ ابن حجر بأن معناه التنبيه على أن أسف العامد أشد.
والحق أن الحديث في المتعمد تكاسلاً ولا عذر، يؤيده شدة الوعيد والتحذير، وحديث البخاري "من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله".
أما الثانية فقد قال ابن عبد البر: يحتمل أن يكون هذا الحديث خرج جوابًا لسائل سأل عن صلاة العصر فأجيب، فلا يمنع ذلك إلحاق غيرها من الصلوات بها. اهـ.
وتعقبه النووي بأنه إنما يلحق غير المنصوص بالمنصوص إذا عرفت العلة واشتركا فيها، قال: والعلة في هذا الحكم لم تتحقق، فلا يلتحق غير العصر بها. اهـ.
قال الحافظ ابن حجر: وهذا لا يدفع الاحتمال، وقد احتج ابن عبد البر بما رواه ابن أبي شيبة "من ترك صلاة مكتوبة حتى تفوته" وروى ابن حبان "من فاتته الصلاة فكأنما وتر أهله وماله" وأخرج عبد الرزاق "لأن يوتر أحدكم أهله وماله خير له من أن يفوته وقت صلاة".