١ - قال النووي: أخذ من الأحاديث أن الصلاة الفائتة على رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت صلاة العصر، وظاهرها أنه لم يفت غيرها، وفي الموطأ أنها الظهر والعصر، وفي غيره أنه أخر أربع صلوات: الظهر والعصر والمغرب والعشاء وطريق الجمع بين هذه الروايات أن وقعة الخندق بقيت أيامًا، فكان هذا في بعض الأيام وهذا في بعضها.
٢ - يؤخذ من الأحاديث أن تأخير هذه الصلاة كان بسبب الاشتغال بالعدو، وهل كان نسيانًا؟ أو عمدًا لعذر، قيل بالأول، واستدل له بما رواه أحمد "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الأحزاب صلى المغرب، فلما فرغ قال: هل علم أحد منكم أني صليت العصر؟ قالوا: لا. يا رسول الله، ما صليتها. فأمر المؤذن فأقام فصلى العصر ثم أعاد المغرب" ويمكن الجمع بتعدد التأخير كما جمع النووي ويمكن بهذا الحديث الذي رواه أحمد أن تجمع بين الرواية الرابعة، وفيها "ثم صلاها بين العشاءين" وبين الرواية الثامنة، وفيها "فصلى العصر بعد ما غربت الشمس" ثم صلى بعدها المغرب" فإذا افترضنا اتحاد الواقعة قلنا: صلى المغرب، ثم صلى العصر، ثم أعاد المغرب، فهو في هذه الحالة صلى العصر بين العشاءين، وصلاها بعد ما غربت الشمس ثم صلى بعدها المغرب. والله أعلم.
قال الحافظ ابن حجر: ويستبعد أن يقع النسيان مع الجميع، إذ التأخير كان من الجميع كما هو الظاهر، ثم إن قوله صلى الله عليه وسلم لعمر: والله ما صليتها يبعد النسيان.
وقيل: كان تأخير العصر عمدًا لكونهم شغلوه وحبسوه عنها ولم يمكنوه منها، وظاهر الأحاديث تشهد له، فإن قيل: هل يجوز اليوم تأخير الصلاة بسبب الاشتغال بالعدو والقتال؟ قلنا: لا. لا يجوز اليوم تأخيرها عمدًا عن وقتها، بل يصلي صلاة الخوف، أما ما حصل فكان قبل صلاة الخوف.
٣ - ويؤخذ من حلف الرسول صلى الله عليه وسلم في الرواية الثامنة جواز الحلف من غير استحلاف، قال النووي: وهي مستحبة إذ كان فيه مصلحة من توكيد الأمر، أو زيادة الطمأنينة، أو نفي توهم نسيان أو غير ذلك من المقاصد السائغة، وقد كثرت اليمين في الأحاديث.
قال: وإنما حلف النبي صلى الله عليه وسلم تطييبًا لقلب عمر رضي الله عنه، فإنه شق عليه تأخير العصر إلى قريب من المغرب، فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يصلها بعد، ليكون لعمر به أسوة، ولا يشق عليه ما جرى، وتطيب نفسه، وأكد ذلك الخبر باليمين. اهـ
٤ - يؤخذ من الرواية الثامنة أن من فاتته صلاة، وذكرها في وقت أخرى ينبغي له أن يبدأ بقضاء الفائتة، ثم يصلي الحاضرة، وهذا مجمع عليه، لكنه عند الشافعي وطائفة على الاستحباب، فلو صلى الحاضرة ثم الفائتة جاز، وعند مالك وأبي حنيفة وآخرين على الإيجاب، فلو قدم الحاضرة لم يصح، ويؤيده ما رواه أحمد عما قريب من أنه صلى الله عليه وسلم لما صلى العصر بعد المغرب أعاد المغرب.