وقال سيبويه وأكثر النحويين: لا يجوز إظهار الضمير مع وجود الفاعل الظاهر، ويتأولون هذا وأمثاله، ولا يرفعون الاسم الظاهر "ملائكة" على أنه فاعل الفعل المذكور، ويجعلون الضمير هو الفاعل، ويقدرون له ما يعود عليه، نحو: "لله ملائكة يتعاقبون فيكم" و"ملائكة" المذكورة بعد الفعل إما بدل من الضمير وإما خبر لمبتدأ محذوف، والجملة بيان، كأن قيل: من هم؟ فقيل: هم ملائكة بالليل، إلخ.
ولكل من المذهبين وجهة نظر سليمة، فالأولون على لغة للحارث، وهي لغة فاشية، قال القرطبي: ولها وجه في القياس صحيح، والآخرون تؤيدهم روايتنا الثانية "والملائكة يتعاقبون فيكم" ... إلخ ورواية النسائي "إن الملائكة يتعاقبون فيكم"، ورواية البخاري في بدء الخلق "الملائكة يتعاقبون ملائكة بالليل وملائكة بالنهار" ... إلخ.
ومعنى "يتعاقبون" تأتي طائفة عقيب طائفة ثم تعود الأولى عقب الثانية. قال ابن عبد البر: وإنما يكون التعاقب بين طائفتين أو رجلين، ومنه تعقيب الجيوش بأن يجهز الأمير بعثًا إلى مدة ثم يأذن لهم في الرجوع بعد أن يجهز غيرهم إلى مدة ثم يأذن لهم في الرجوع بعد أن يجهز الأولين.
والخطاب في "فيكم" للمصلين، وقيل: مطلق المؤمنين، والأول أوضح وأقرب، والتنكير في "ملائكة" للدلالة على أن الثانية غير الأولى، فإن النكرة إذا أعيدت نكرة كانت الثانية غير الأولى، بخلاف ما إذا أعيدت المعرفة معرفة كانت عين الأولى غالبًا - ولذا ورد في قوله تعالى: {فإن مع العسر يسرًا إن مع العسر يسرًا} [الشرح: ٥، ٦] قوله صلى الله عليه وسلم .. "لن يغلب عسر يسرين".
{ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر} قال الزين بن المنير: التعاقب مغاير للاجتماع، لكن ذلك منزل على حالين، فالتعاقب وحلول جماعة مكان جماعة يكون بعد اجتماعهم.
(ثم يعرج الذين يأتون فيكم) يقال: عرج من باب نصر، والعروج الصعود، ويقال: عرج يعرج عرجانًا إذا عجز عن شيء أصابه، وعرج تعريجًا إذا قام.
(فيسألهم ربهم) سؤال استنطاق وإقرار.
(تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون) جملة "وهم يصلون" حال، وكان الترتيب الطبيعي أن يخبروا عن حالة الإتيان ثم عن حالة الترك لكنهم لم يراعوا الترتيب الوقوعي لأنهم طابقوا السؤال: كيف تركتم عبادي؟ فقدموا الجواب المطلوب ثم زادوا عليه، قال الحافظ ابن حجر: ولأن المخبر به صلاة العباد، والأعمال بخواتيمها، فناسب ذلك إخبارهم عن آخر عملهم قبل أوله. اهـ وحاصل الجواب أن حالة الترك قدمت للاهتمام بها.
(كنا جلوسًا ... إذ نظر إلى القمر ليلة البدر) يحتمل أن "ليلة البدر" تنازعها كل من "كنا جلوسًا" و"إذ نظر" أي: كنا جلوسًا ليلة البدر إذ نظر إلى القمر ليلة البدر.
(كما ترون هذا القمر) أي: ترونه رؤية محققة لا شك فيها ولا مشقة، كما ترون هذا القمر رؤية محققة بلا مشقة، فهو تشبيه للرؤية بالرؤية، لا المرئي بالمرئي.
(لا تضامون في رؤيته) "تضامون" روى بتشديد الميم مع فتح التاء، وأصله "تتضامون"