المسجد أو في البيت أو في المتجر أو في المصنع أو في المدرسة ولما كانت الروايات الثمان التي بعدها تربط صلاة الجماعة بالمسجد قال ابن دقيق العيد: والذي يظهر أن المراد بمقابل الجماعة في المسجد الصلاة في غيره منفردًا، لكنه خرج مخرج الغالب في أن من لم يحضر الجماعة في المسجد صلى منفردًا. اهـ
وقد جاء عن بعض الصحابة قصر التضعيف إلى خمس وعشرين على التجميع في المسجد الذي يصلي فيه الجمعة، مع تقرير نوع من الفضل للجماعة في غيره، وجاء عن بعضهم قصر التضعيف إلى خمس وعشرين على التجميع في أي مسجد، دون البيت والسوق، أخذًا بظاهر حديث البخاري "صلاة الرجل في الجماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمسًا وعشرين ضعفًا" مع تقرير نوع من الفضل للجماعة في البيت والسوق ونحوهما.
والذي تستريح إليه النفس أن التضعيف إلى خمس وعشرين عام في الجماعات في أي مكان، مع تقرير نوع زائد من الفضل للجماعة في المسجد ونوع أكثر زيادة من الفضل للجماعة في مسجد الجماعة. وهذا الرأي يعم كل الأحاديث مطلقها ومقيدها، خصوصًا ورواية البخاري التي قارنت بين المسجد وبين البيت والسوق جاءت بلفظ المضاعفة، وقد تطلق المضاعفة على المثلين كما تطلق على المثل.
أما حكم صلاة الجماعة ففيه أربعة مذاهب:
الأول: أنها فرض عين وشرط لصحة الصلاة، فلا تصح الصلاة بدونها إلا لعذر، وهو مذهب داود الظاهري، ورواية عن أحمد، ودليلهم ظاهر التهديد بالتحريق. وهي عقوبة لا يعاقب بها إلا الكفار، وهو مبني على أن ما وجب في العبادة كان شرطًا فيها، فلما كان الهم المذكور دالاً على لازمه وهو الحضور ووجوب الحضور دالاً على لازمه وهو الاشتراط ثبت الاشتراط، وهذا المذهب أضعف المذاهب وأبعدها عن الصواب لما سيتضح من مناقشات الأدلة.
المذهب الثاني: أنها فرض عين، وليست شرطًا لصحة الصلاة، فتصح الصلاة بدونها مع الإثم واستحقاق العقوبة، وهو مذهب عطاء والأوزاعي وأحمد وجماعة من محدثي الشافعية كأبي ثور وابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان ودليلهم كأصحاب المذهب الأول أحاديث الهم بالتحريق، لكنهم لا يقولون: بأن ما وجب في العبادة كان شرطًا فيها، وإنما الغالب أن يكون شرطًا، وقد ينفك عن الشرطية.
وقالوا: لو كانت فرض كفاية لكان قيام النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بها كافيًا، ولو كانت سنة فتارك السنة لا يحرق عليه بيته، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يهم إلا بحق، كما استدلوا على فرضيتها ووجوبها بصلاة الخوف، إذ فيها أعمال منافية للصلاة ارتكبت من أجل الجماعة، ولم يرخص بترك الجماعة في هذه الشدة، ولا يعمل ذلك لأجل فرض الكفاية، ولا للسنة، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرخص لابن أم مكتوم الأعمى في ترك الجماعة، ولو كانت فرض كفاية أو سنة لرخص له.