وقبل الكلام على ترتيب هذه الصفات نقرر أن المقصود من ترتيبها هو بيان الأفضل، إذ يجوز إمامة المفضول مع وجود الفاضل، وأن المقصود من ترتيبها بيان الأحقية عند التنازع على الإمامة، فيحكم للأحق بأحقيته.
والرواية الثانية تقدم الأقرأ على العلم بالسنة، وهي دليل لمن يقول بتقديم الأقرأ على الأفقه، وهو مذهب أبي يوسف وأحمد وبعض الشافعية، وقال مالك وأبو حنيفة والشافعي والجمهور: الأفقه مقدم على الأقرأ. قالوا: لأن الذي يحتاج إليه من القراءة مضبوط، والذي يحتاج إليه من الفقه غير مضبوط، وقد يعرض في الصلاة أمر لا يقدر على مراعاة الصواب فيه إلا كامل الفقه. وقالوا: ولهذا قدم النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه في الصلاة على الباقين، مع أنه صلى الله عليه وسلم نص على أن غيره أقرأ منه، ففي الحديث "أقرؤكم أبي".
وقد أجابوا عن الرواية الثانية من أحاديث الباب بعدة أجوبة. منها:
١ - أن الأقرأ في الصحابة كان هو الأعلم بالسنة والأحكام الشرعية لأنهم كانوا يتلقون القرآن بأحكامه، حتى روي عن ابن عمر أنه قال: ما كانت تنزل السورة على رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ونعلم أمرها ونهيها وزجرها وحلالها وحرامها، وحتى روى عنه أنه حفظ سورة البقرة في اثنتي عشرة سنة.
وحاصل هذا الجواب أن المراد بالأقرأ الجامع لحسن القراءة وفهم الأحكام. أي الأقرأ الأفقه. ويعكر عليه قوله "فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة" لأن ظاهره أن الأقرأ شيء، وأن العالم بالسنة وهو الأفقه شيء آخر.
٢ - قال بعضهم: إن المراد بالأقرأ هنا من يجيد القراءة مع العلم بالأحكام الشرعية الواردة في القرآن لأنهم كما سبق كانوا يحفظون مع فهم الأحكام فإذا استويا في الفقه بهذا المعنى قدم الأفقه في السنة والأعلم بها. ويعكر عليه أنه بهذا المعنى لا يكون الأفقه مقدمًا على الأقرأ وهذا موطن النزاع.
٣ - قال بعضهم: إن تقديم الأقرأ على الأفقه في الحديث كان أول الإسلام، حين كان حفاظ الإسلام قليلاً، وقد قدم عمرو بن سلمة وهو صغير على الشيوخ لذلك، وكان سالم يؤم المهاجرين والأنصار في مسجد قباء حين أقبلوا من مكة لعدم الحفاظ حينئذ.
وحاصل هذا الجواب أن تقديم الأقرأ نسخ بتقديم أبي بكر للصلاة، وهو الأفقه غير الأقرأ، كما سبق بيانه.
ولا يخفى أن من يفضل الأفقه يشترط أن يكون محسنًا من القراءة ما تجوز به الصلاة، ومن يفضل الأقرأ يشترط أن يكون عالمًا بالأحكام المهمة الخاصة بالصلاة.
هذا وقد ذهب بعض الشافعية إلى تقديم الأورع على الأفقه والأقرأ، لأن مقصود الإمامة يحصل من الأورع أكثر من غيره، والله أعلم.
الصفة الثالثة: من صفات الأحق بالإمامة الأقدم هجرة، قال النووي: قال أصحابنا يدخل فيه طائفتان: