رابعاً: ويشكل على ما ثبت من إتمام عثمان كما في روايتنا السادسة عشرة ما جاء في روايتنا الثامنة من قول ابن عمر: "ثم صحبت عثمان، فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله" وهذا ظاهره التعارض.
قال النووي: وقد تأول العلماء هذه الرواية على أن المراد أن عثمان لم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، أي في غير منى، والروايات المشهورة بإتمام عثمان بعد صدر من خلافته محمولة على الإتمام بمنى خاصة، وقد فسر عمران بن الحصين في روايته أن إتمام عثمان إنما كان بمنى، وكذا ظاهر الأحاديث التي ذكرها مسلم، ثم قال النووي: واعلم أن القصر مشروع بعرفات ومنى ومزدلفة للحاج من غير أهل مكة وما قرب منها، ولا يجوز لأهل مكة ومن كان دون مسافة القصر، هذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة والأكثرين، وقال مالك: يقصر أهل مكة في منى ومزدلفة وعرفات، فعلة القصر عنده في تلك المواضع النسك، وعند الجمهور علته السفر. والله أعلم.
خامساً: وللقصر في السفر شروط:
١ - قال النووي: مذهب الشافعي ومالك وأبي حنيفة وأحمد والجمهور أنه يجوز القصر في كل سفر مباح، وشرط بعض السلف كونه سفر خوف، وشرط بعضهم كونه سفر حج أو عمرة أو غزو، وشرط بعضهم كونه سفر طاعة، فلا يترخص بالقصر لمن سافر لمجرد رؤية البلاد من غير غرض صحيح. قال الشافعي ومالك وأحمد والأكثرون: ولا يجوز في سفر المعصية، وجوزه أبو حنيفة. اهـ فمن خرج لقطع طريق أو لقتال المسلمين ظلماً، أو خرجت ناشزاً من زوجها لم يجز له أن يترخص برخص السفر من القصر وغيره عند الجمهور.
٢ - قال النووي: قال الشافعي ومالك وأصحابهما وفقهاء أهل الحديث وأحمد: لا يجوز القصر إلا في مسيرة ثمانية وأربعين ميلاً (قريباً من ثمانين كيلو متراً] وقال أبو حنيفة والكوفيون: لا يقصر في أقل من نحو مائة وعشرين كيلو متراً، وقال داود وأهل الظاهر: يجوز القصر في السفر الطويل والقصير حتى لو كان خمسة كيلو مترات، وقال في الفتح: وكأنهم احتجوا في ذلك بما رواه مسلم وأبو داود من حديث أنس قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال -أو فراسخ- قصر الصلاة" وهو أصح حديث ورد في بيان ذلك وأصرحه وقد حمله من خالفه على أن المراد به المسافة التي يبدأ منها القصر، لا غاية السفر ولا يخفى بعد هذا الحمل مع أن البيهقي ذكر في روايته من هذا الوجه أن يحيى بن يزيد راويه عن أنس قال: سألت أنساً عن قصر الصلاة -وكنت أخرج إلى الكوفة يعني: من البصرة فأصلي ركعتين ركعتين حتى أرجع- فقال أنس ... فذكر الحديث. فظهر أنه سأله عن جواز القصر في السفر، لا عن الموضع الذي يبتدأ القصر منه. اهـ
ثم إن روايتنا الثالثة عشرة تبين فعل القصر في سبعة عشر ميلاً، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قصر بذي الحليفة وهي على سبعة أميال، كما استدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم:"لا تسافر امرأة ثلاثاً إلا ومعها ذو محرم" رواه البخاري ومسلم.