نعم الجار الجنب أولى بكل حق من حقوق الجوار ممن بعد، ولكن لكل من القريب والبعيد حقه، وكف الأذى عن الجميع واجب، بل إدخال الأمن والطمأنينة على الجميع واجب.
وهناك أمثلة من الأذى قد يستهين بها الجار، ويظنها حقا له، فلا يعبأ بجاره، ولا يراعي شعوره، فيتحقق بذلك أذاه، منها:
وضع الجذع على جداره، وصب الماء أمام داره، وطرح التراب والحصى في فنائه، وتضييق طريقه، والنظر إلى حرماته، وكشف عوراته.
وقد جاء في الحديث الشريف قالوا: يا رسول الله، ما حق الجار على الجار؟ قال: "إن استقرضك أقرضته، وإن استعانك أعنته، وإن مرض عدته، وإن احتاج أعطيته، وإن افتقر عدت عليه، وإن أصابه خير هنأته، وإن أصابه مصيبة عزيته، وإذا مات اتبعت جنازته، ولا تستطل عليه بالبناء فتحجب عنه الريح إلا بإذنه، ولا تؤذه بريح قدرك إلا أن تغرف له منها، وإن اشتريت فاكهة فاهد له منها، فإن لم تفعل فأدخلها سرا، ولا تخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده".
وقد جاء في رواية البخاري: "والله لا يؤمن. والله لا يؤمن. والله لا يؤمن: قيل: ومن يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه"، فنفي الإيمان عمن يؤذي جاره نفي كمال كما سبق.
وأما نفي دخوله الجنة في رواية مسلم فقد قال عنه النووي: في معنى "لا يدخل الجنة" جوابان يجريان في كل ما أشبه هذا.
أحدهما: أنه محمول على من يستحل الإيذاء مع علمه بتحريمه، فهذا كافر لا يدخلها أصلا.
والثاني: معناه جزاؤه أن لا يدخلها وقت دخول الفائزين إذا فتحت أبوابها لهم، بل يؤخر، ثم قد يجازى، وقد يعفى عنه فيدخلها، وإنما تأولنا هذين التأويلين، لأنا قدمنا أن مذهب أهل الحق أن من مات على التوحيد مصرا على الكبائر، فهو إلى الله تعالى: إن شاء عفا عنه فأدخله الجنة أولا، وإن شاء عاقبه، ثم أدخله الجنة. اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر: في الحديث مبالغة تنبئ عن تعظيم حق الجار وأن إضراره من الكبائر.
ومنع أذى الجار أعم من أن يكون مسلما أو غير مسلم، ففي الحديث "الجيران ثلاثة، جار له حق واحد، وجار له حقان، وجار له ثلاثة حقوق، فالجار الذي له ثلاثة حقوق الجار المسلم ذو الرحم، فله حق الجوار، وحق الإسلام، وحق الرحم، وأما الذي له حقان فالجار المسلم، له حق الجوار وحق الإسلام، وأما الذي له حق واحد فالجار المشرك له حق الجوار".
وفي تغليظ حرمة الجار وحرمة إيذائه. قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن فلانة تصوم النهار وتقوم الليل، وتؤذي جيرانها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هي في النار" رواه أحمد والحاكم، وقال صحيح الإسناد.
وقال ابن أبي جمرة: إذا أكد حق الجار مع الحائل بين الشخص وبينه وأمر بحفظه وإيصال الخير إليه، وكف أسباب الضرر عنه، فينبغي أن يراعي حق الحافظين الذين ليس بينه وبينهما جدار