وقال: استحباب تحية المسجد في أي وقت دخل هو مذهبنا، وكرهها أبو حنيفة والأوزاعي والليث في وقت النهي، وأجاب أصحابنا أن النهي إنما هو عما لا سبب له، لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بعد العصر ركعتين قضاء سنة الظهر فخص وقت النهي، وصلى به ذات السبب، ولم يترك التحية في حال من الأحوال، بل أمر الذي دخل المسجد يوم الجمعة وهو يخطب فجلس أن يقوم فيركع ركعتين مع أن الصلاة في حال الخطبة ممنوع منها إلا التحية. فلو كانت التحية تترك في حال من الأحوال لتركت الآن، لأنه قعد وهي مشروعة قبل القعود، ولأنه كان يجهل حكمها، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قطع خطبته وكلمه وأمره أن يصلي التحية، فلولا شدة الاهتمام بالتحية في جميع الأوقات لما اهتم بها عليه الصلاة والسلام هذا الاهتمام. اهـ.
وسيأتي الكلام عن تحية المسجد والإمام يخطب يوم الجمعة في الباب الخاص بذلك إن شاء اللَّه.
-[ويؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم: ]-
١ - يؤخذ من قول جابر في الرواية الثانية "كان لي على النبي صلى الله عليه وسلم دين" جواز التحديث بالعمل الصالح، للإتيان بالقصة على وجهها، لا على وجه التزكية للنفس وإرادة الفخر.
٢ - يؤخذ من قوله في الرواية الرابعة "فدع جملك وادخل فصل ركعتين" جواز إدخال الدواب والأمتعة إلى رحاب المسجد وحواليه. قاله الحافظ ابن حجر.
٣ - ويؤخذ من قوله في الرواية الثانية "فقضاني وزادني" جواز الزيادة في الثمن عند الأداء، قال الحافظ: وهي هبة مستأنفة، حتى لو ردت السلعة بعيب مثلاً لم يجب ردها.
وقيل: هي تابعة للثمن فترد.
ونحب أن ننبه إلى أن هذا ليس زيادة في القرض حتى يقاس عليه زيادة المدين في القرض، ثم إن هذه الزيادة من ولي الأمر، ثم إنها في الحقيقة ليست زيادة، إذ الرد كان للبعير ولثمنه وزيد أكثر من الثمن. واللَّه أعلم.
٤ - وفيه تفقد الإمام للرعية وأحوالهم وإعانته للمحتاج بما تيسر.
٥ - وفيه كرمه صلى اللَّه عليه وسلم وحسن معاملته.
٦ - ويؤخذ من الرواية الخامسة استحباب القدوم من السفر أوائل النهار.
٧ - وأنه يستحب للرجل الكبير في المرتبة ومن يقصده الناس إذا قدم من سفر للسلام عليه أن يقعد أول قدومه قريبًا من داره في موضع بارز سهل على زائريه إما المسجد وإما غيره. ذكره النووي.