فالوجه عندي أن النهي موجه إلى قول هذا اللفظ لما يشعر به فقط، أما أسباب النسيان فلها حكم مستقل، فمن نشأ نسيانه بأمر ديني كالجهاد فهو معذور، وعليه يحمل ما ورد من نسيان النبي صلى الله عليه وسلم لبعض الآيات، كما في الرواية الأولى والثانية، ومن كان نسيانه عن إهمال وتقصير مع التمكن فهو حرام. والله أعلم.
-[ويؤخذ من هذه الأحاديث فوق ما تقدم: ]-
١ - من الرواية الأولى والثانية جواز رفع الصوت بالقراءة في الليل، وفي المسجد إذا لم يؤذ أحدًا ولم يتعرض للرياء والإعجاب ونحو ذلك.
٢ - أن الاستماع إلى القراءة سنة.
٣ - الدعاء لمن أصاب الإنسان من جهته خيرًا وإن لم يقصد ذلك المحصول منه.
٤ - قال الحافظ ابن حجر: وفيه جواز قول المرء: أسقطت آية كذا من سورة كذا، إذا وقع منه ذلك، وقد أخرج ابن أبي داود من طريق أبي عبد الرحمن السلمي قال: لا تقل: أسقطت كذا. بل قل: أغفلت. قال الحافظ: وهو أدب حسن، وليس واجبًا. اهـ
٥ - وفيه جواز قول: سورة كذا، خلافًا لمن كره ذلك. وقال: لا يقال إلا السورة التي يذكر فيها كذا. وقد نقل القرطبي في تفسيره عن الحكيم الترمذي أن من حرمة القرآن أن لا يقال: سورة كذا، كقولك: سورة البقرة، وسورة النحل، وسورة النساء، وإنما يقال: السورة التي يذكر فيها كذا. وقال النووي في الأذكار: يجوز أن يقول: سورة البقرة، سورة ... إلى أن قال: وسورة العنكبوت، وكذلك الباقي، ولا كراهة في ذلك. وقال بعض السلف: يكره ذلك. والصواب الأول، وهو قول الجماهير، والأحاديث فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من أن تحصر، وكذلك عن الصحابة فمن بعدهم. اهـ.
وقال ابن كثير في تفسيره مشيرًا إلى رأي الكارهين: ولا شك أن ذلك أحوط، ولكن استقر الإجماع على الجواز في المصاحف والتفاسير. اهـ.
قال الحافظ ابن حجر: وقد تمسك بالاحتياط المذكور جماعة من المفسرين منهم أبو محمد بن أبي حاتم ومن المتقدمين الكلبي وعبد الرزاق. اهـ.
٦ - قال الحافظ ابن حجر: وفي الحديث حجة لمن أجاز النسيان على النبي صلى الله عليه وسلم فيما ليس طريقه البلاغ بشرطين: أحدهما أنه بعد ما يقع منه تبليغه، والآخر أنه لا يستمر على نسيانه، بل يحصل له تذكره، إما بنفسه وإما بغيره. وهل يشترط في هذا الفور؟ قولان.
فأما قبل تبليغه فلا يجوز عليه فيه النسيان أصلاً. وزعم بعض الأصوليين وبعض الصوفية أنه لا يقع منه نسيان أصلاً، وإنما يقع منه صورته ليسن. وهذا قول ضعيف. اهـ
وقال الإسماعيلي: النسيان من النبي صلى الله عليه وسلم لشيء من القرآن يكون على قسمين:
أحدهما: نسيانه الذي يتذكره عن قرب، وذلك قائم بالطباع البشرية وعليه يدل قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود في السهو: "إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون".