فالذي يشتغل بالقرآن عما سواه له من الفضل أعلاه، وبخاصة لو عمل به في باطنه وقرأه وتعاهده بتلاوته، فإن تيسرت له القراءة الصحيحة فقد وصل بذلك إلى منزلة الملائكة السفرة الكرام البررة، ومن شق عليه وتتعتع في قراءته له أجر على تكلفه ومعالجته، وأجر على قراءته. والمؤمن القارئ للقرآن منتفع ونافع، حسن الباطن والظاهر، كالأترجة طعمها طيب وريحها طيب. والمؤمن غير القارئ أو قليل القراءة منتفع غير نافع، حسن الباطن ضعيف الظاهر، كالتمرة طعمها حلو ولا ريح لها. والمنافق المرائي بقراءته نافع غير منتفع، حسن الظاهر قبيح الباطن، كالريحانة ريحها طيب وطعمها مر. والمنافق مدعي الإيمان الذي لا يقرأ غير نافع وغير منتفع، قبيح الظاهر قبيح الباطن كالحنظلة، طعمها مر وريحها خبيث.
-[المباحث العربية]-
(مثل الأترجه) بضم الهمزة وسكون التاء وضم الراء وتشديد الجيم وقد تخفف، ويروى "أترنجة" بالنون الساكنة بعد الراء، وهي فاكهة قريبة من البرتقال لكن حجمها أكبر ولونها أصفر وجلدها أنعم وأملس وفي طعمها حموضة أكثر من البرتقال. ويحاول العلماء توجيه التشبيه بها دون بعض الفواكه المعروفة في عالمنا كالتفاح فيقول: إنها أفضل ما يوجد من الثمار في سائر البلدان وأجدى لأسباب كثيرة، جامعة للصفات المطلوبة منها والخواص الموجودة فيها، فمن ذلك كبر جرمها، وحسن منظرها، وطيب مطعمها، ولين ملمسها، لونها فاقع تسر الناظرين، تتوق إليها النفس قبل التناول، تفيد آكلها بعد الالتذاذ بذوقها، طيبة النكهة، ودباغ المعدة، وسهلة الهضم، وتشترك الحواس الأربع البصر والذوق والشم واللمس في الاحتظاء بها، ثم إن أجزاءها تتقسم على طبائع، قشرها حار يابس، ولحمها حار رطب. وحماضها بارد يابس، وبزرها حار مجفف، وفيها من المنافع ما هو مذكور في الكتب الطبية: هكذا قالوا.
والمعروف أن لكل بيئة فاكهة مفضلة قد تكون هي نفسها غير مرغوب فيها في بيئة أخرى، بل قد يكون الحمض أحلى من الحلو الخالي من الحمضيات، كما أن بعض البيئات تعشق اللون الأخضر، وبعضها اللون الأحمر، وبعضها اللون الأصفر، فالأولى القول بأن اختيار الأترجة للتمثيل بها أنها كانت أحسن الفواكه عند المخاطبين لونًا وطعمًا وريحًا.
وهذا التشبيه يبرز المعنى المعقول الصرف في صورة المحسوس المشاهد، فكلام الله تعالى له تأثير في نفس العبد وأعماقه وفي ظاهره وسلوكه، والعباد في ذلك متفاوتون، فمنهم من لا نصيب له البتة، وهو المنافق الحقيقي الذي لا يقرأ، ومثله كالحنظلة، ومنهم من يتأثر ظاهره دون باطنه وهو المرائي بالقراءة فهو لا يستفيد وقد يستفاد منه، ومثله كالريحانة، ومنهم من يتأثر بكلام الله باطنه دون ظاهره، فلا يفيد من بجواره، وهو المؤمن الذي لا يقرأ، ومثله مثل التمرة، ومنهم من يتأثر بالقرآن باطنه وظاهره، يستفيد ويفيد، وهو المؤمن الذي يقرأ، ومثله مثل الأترجة.