يكن يحفظ فقراءته عليه للحفظ، وإن كان حافظًا فليتعلم الأداء. قال القاضي عياض: والثاني أظهر لأن قراءته للحفظ لا تختص بأبي لوجوب التبليغ. اهـ. قلت: وقراءته لتعليم الأداء لا تختص بأبي أيضًا. وقال بعض العلماء: ليسمع أبي القرآن دون واسطة فلا يخالجه شك فيما اختلف فيه ويحتمل أنه ليعلم طريق العرض. قال السنوسي: والثاني أظهر لما ذكر. فإن قيل: والأداء يحصل بقراءة أبي؟ قيل: قراءة الشيخ أعلى درجات الرواية فيما ذكر المحدثون. اهـ.
قال النووي: والمختار في الحكمة من قراءته صلى اللَّه عليه وسلم على أبي أن تستن الأمة بذلك في القراءة على أهل الاتفاق والفضل، ويتعلموا آداب القراءة، ولا يأنف أحد من ذلك. اهـ. قلت: وهذه الحكمة لا يتعين لها أبي، بل تتحصل بغيره من كبار القراء. قال النووي: وقيل: للتنبيه على جلالة أبي وأهليته لأخذ القرآن عنه، وكان يعده صلى اللَّه عليه وسلم رأسًا وإمامًا في إقراء القرآن وهو أجل ناشريه أو من أجلهم. اهـ.
وهذا توجيه حسن، فقد روى البخاري عن عمر رضي الله عنه قوله:"أقرؤنا أبي". وروى أيضًا قول الرسول صلى الله عليه وسلم:"خذوا القرآن من أربعة: من عبد اللَّه بن مسعود، وسالم، ومعاذ، وأبي بن كعب".
والحكمة في تخصيص سورة "لم يكن" بالقراءة أنها وجيزة جامعة لقواعد كثيرة من أصول الدين وفروعه ومهماته والإخلاص وتطهير القلوب، ولعل الوقت كان يقتضي الاختصار. ذكره النووي.
-[ما يؤخذ من الحديث: ]-
١ - وفي الحديث منقبة لأبي رضي الله عنه بذكر اللَّه تعالى له، ونصه عليه، قال النووي: ولا نعلم أحدًا من الناس شاركه في هذا.
٢ - وفيه البكاء للسرور والفرح مما يبشر الإنسان به ويعطاه من معالي الأمور.
٣ - ومن سؤال أبي السؤال للتثبت في المحتملات.
٤ - وفي الحديث استحباب قراءة القرآن على أهل الفضل والحذاق فيه وأهل العلم به، وإن كان القارئ أفضل من المقروء عليه.