قال ابن بطال: إنما بكى صلى اللَّه عليه وسلم عند تلاوته هذه الآية لأنه مثل لنفسه أهوال يوم القيامة وشدة الحال الداعي له إلى شهادته لأمته بالتصديق وسؤاله الشفاعة لأهل الموقف، وهو أمر يحق له طول البكاء. اهـ. وقال الحافظ ابن حجر: والذي يظهر أنه بكى رحمة لأمته، لأنه علم أنه لا بد أن يشهد عليهم بعملهم، وعملهم قد لا يكون مستقيمًا فقد يفضي إلى تعذيبهم.
٤ - واستحباب طلب القراءة من الحافظ، وكان طلب النبي صلى الله عليه وسلم القراءة من ابن مسعود من أجل التدبر والتفهم، أو من أجل أن يطمئن على حسن أداء الحفظ من أمته، أو ليكون عرض القرآن سنة تتبع من بعده، أقوال ولا مانع من إرادة كل ذلك.
٥ - وتواضع أهل العلم والفضل ولو مع أتباعهم. ذكره النووي.
٦ - وفيها منقبة لابن مسعود رضي الله عنه، وقد ورد في مدح قراءته أحاديث كثيرة، وقد روى البخاري قول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"خذوا القرآن من أربعة: من عبد اللَّه بن مسعود، وسالم، ومعاذ، وأبي" فذكر ابن مسعود أول من تؤخذ عنه القراءة. توفي في خلافة عثمان رضي اللَّه عنهما.
٧ - أخذ بعضهم من الحديث الرابع أن السكران لا يؤاخذ بما يصدر منه من الكلام في حال سكره، إذ لو أوخذ الرجل بإنكاره ما قرأ ابن مسعود لقتل لارتداده، لأنهم أجمعوا على أن من جحد مجمعًا عليه من القرآن كفر، وأجيب بأنه يحتمل أن الرجل كذب ابن مسعود ولم يكذب بالقرآن، وهو الذي يظهر من قوله:"ما هكذا أنزلت". فإن ظاهره أنه أثبت إنزالها ونفى الكيفية التي أوردها ابن مسعود. قاله القرطبي.
٨ - احتج بالحديث من يوجب الحد بالرائحة وحدها إذا لم يقر ولم يشهد عليه. وقد قال بذلك الحنفية، والجمهور لا يوجب الحد بمجرد الريح، لاحتمال النسيان والاشتباه والإكراه وغير ذلك، ويجيبون عن الحديث باحتمال أن يكون الرجل قد اعترف، وبهذا الاحتمال يسقط الاستدلال بالحديث، والمختار أنه لا يحد بالرائحة وحدها، بل لا بد من قرينة كأن يوجد سكران، أو يكون مشهورًا بإدمان شرب الخمر، أو أن يوجد مع جماعة اشتهروا بالفسق، ويوجد معهم خمر واللَّه أعلم.
وقد أثار قول ابن مسعود:"فجلدته الحد": إشكالاً مؤداه: كيف جلده ولا ولاية له؟ وأجاب النووي بقوله: هذا محمول على أن ابن مسعود كانت له ولاية إقامة الحدود نيابة عن الإمام. اهـ. وهذا الاحتمال بعيد، لأن ابن مسعود كانت ولايته بالكوفة ولم يل حمص بالشام في يوم من الأيام. وأجاب القرطبي: إنما أقام عليه الحد لأنه جعل له ذلك من له الولاية. اهـ. يعني أنه فوض بذلك ممن له الولاية، وهذا مجرد احتمال بعيد لا يحل الإشكال. وقيل: لأن ابن مسعود رأى أنه يقوم عن الإمام بواجب إذا هو فعل ذلك، وهذا جواب مردود لأنه ليس لأحد أن يعتقد أنه بمباشرته إقامة الحد يقوم بواجب مقبول، والأولى اعتبار الإسناد مجازيًا كما في المباحث العربية.