تلك سنة الله في خلقه، كلما بعد المؤثر قل الأثر حتى ينمحي أو يكاد، ما لم يتعهد بالتغذية والتقوية، تماما كأي تيار مندفع من قوة، يقل اندفاعه كلما بعد عن مصدر الدفع، ما لم يساعد بين الحين والحين بقوة دافعة أخرى، وتلك القوة الدافعة الأخرى في أديان الله تتمثل في العلماء والصالحين الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر.
والحديث الشريف بعد أن صور أثر الزمان في انحلال الناس وظلماتهم ركز على من يأخذ بيدهم، وعلى المصابيح الجانبية التي تضيء لهم، وعلى الدفعات الإضافية التي تدفعهم، من جاهد المنكرات وغيرها بيده فهو مؤمن إيمانا كاملا، ومن جاهدها وأنكرها بلسانه فهو مؤمن دون الأول، ومن جاهدها وأنكرها بقلبه فهو مؤمن دون الثاني، ومن لم يفعل شيئا من ذلك، ووقف من المنكرات موقف المتفرج غير العابئ فليس بمؤمن، وليس في قلبه مثقال ذرة من الإيمان، ففاعل المنكر والراضي به سواء.
وفقنا الله لاتباع أمره، والأخذ بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
-[المباحث العربية]-
(ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي)"ما" نافية "من" زائدة "نبي" مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد "في أمة" جار ومجرور متعلق ببعث، وكذا الظرف "قبلي" وجملة "بعثه الله" في محل جر صفة "نبي".
(إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب) الاستثناء مفرغ من عموم الأخبار، أي ما من نبي مخبر عنه بخبر من الأخبار إلا بخبر كذا، وجملة "كان له من أمته حواريون وأصحاب" خبر "نبي" و"حواريون" اسم "كان" و"له" متعلق بخبرها، و"من أمته" جار ومجرور في محل نصب حال من "حواريون" وأصله صفة له قدمت عليه.
والحواريون جمع حواري، يقال: فلان حواري فلان، أي خاصته من أصحابه وناصره، ولفظ "حواري" مفرد منصرف، وياؤه مشددة وتخفيفها شاذ، وأصله من التحوير، وهو التبييض، وقيل: سمي الناصر بذلك لنقاء قلبه، وطهارة خلقه، وإخلاصه في محبته، وقيل: أصله من الحور، وهو الرجوع، ومنه قوله تعالى:{إنه ظن أن لن يحور}[الانشقاق: ١٤] وكأن الصاحب الناصر للنبي راجع في أموره إلى الله ورسوله، وعطف "أصحاب" على "حواريون" عطف عام على خاص.
(يأخذون بسنته) ضمن "يأخذون" معنى "يتمسكون" فعدي بالباء يقال: أخذ بتلابيبه بمعنى أمسك بها، والجملة صفة "حواريون".
(ويقتدون بأمره) الأمر واحد الأمور، أي يقتدون بحاله وأموره فإن أريد من الأمر واحد الأوامر -وهو بعيد- فالمراد من الاقتداء الصدع والتنفيذ.