الذي يليه [وجلسوا] انحدر الصف المؤخر بالسجود فسجدوا [السجدتين وتشهدوا] ثم سلم النبي صلى الله عليه وسلم وسلمنا جميعاً".
ففي هذه الصورة تحمل كل صف نصيباً متساوياً من الحراسة، ونصيباً متساوياً من السجود مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكان تبادل الصفين تأخر المقدم وتقدم المؤخر ليكون المتابع والياً للإمام. وهذا الوجه أفضل الأوجه حين يكون العدو في جهة القبلة.
٥ - الوجه الخامس ما تصفه الرواية السادسة، حيث يكون العدو كذلك في جهة القبلة، ولا ساتر يمنع من رؤيته، تقول الرواية السادسة: "صفهم خلفه صفين، فصلى بالذين يلونه ركعة [والصف المؤخر يحرس] ثم قام [ومن صلى معه] فلم يزل قائما [هو والصف الذي يليه الذي صلى معه الركعة الأولى] حتى صلى الذين خلفهم ركعة [منفردين] ثم تقدموا وتأخر الذين كانوا قدامهم فصلى بهم ركعة، [وهي الثانية له ولهم] ثم قعد [وقعدوا] حتى صلى الذين تخلفوا ركعة [وأدركوا القاعدين وتشهدوا] ثم سلم [بالجميع] ".
هذه الأوجه التي تصورها روايات الإمام مسلم، وهناك أوجه أخرى:
٦ - منها ما يشبه الوجه الرابع لكن بدون تبادل الصفين.
٧ - ومنها ما يشبه الوجه الرابع أيضاً لكن الحراسة لكل من الفرقتين تكون في الركوع مع السجود.
٨ - ومنها ما ذكره الشافعي من أنه يصلي بهم الإمام ويركع ويسجد بهم جميعاً إلا صفاً يليه وبعض صف ينتظرون العدو، فإذا قاموا بعد السجدتين سجد الصف الذي حرسهم فهذا القول جعل الحراسة للصف الذي يلي الإمام.
والذي ينبغي ألا يغيب عنا هو أن هذه الأوجه لا يجب شيء منها، بل هي مندوبة وبعضها يفضل بعضاً في الظروف دون بعض، فلو صلى الإمام ببعضهم كل الصلاة، وصلى غيره بالباقين، أو صلى بعضهم أو كلهم منفردين جاز بلا خلاف، لكن الصحابة كانوا لا يسمحون لأنفسهم بترك الجماعة رضي الله عنهم لعظم فضلها فسنت لهم هذه الصفات ليحصل لكل طائفة حظ من الجماعة والوقوف قبالة العدو، والله أعلم.
(ملحوظة) قال النووي في المجموع: وإن كانت الصلاة مغرباً صلى بإحدى الطائفتين ركعة وبالثانية ركعتين، وإن كانت الصلاة ظهراً أو عصراً أو عشاءً في الحضر صلى بكل طائفة ركعتين.
وإن اشتد الخوف ولم يتمكن من تفريق الجيش صلوا رجالاً وركباناً مستقبلي القبلة وغير مستقبلي القبلة، لقوله تعالى: {فإن خفتم فرجالاً أو ركباناً} [البقرة: ٢٣٩].
وقال: قال الشافعي والأصحاب: لا تختص صلاة شدة الخوف بالقتال بل تجوز في كل خوف؛ فلو هرب من سيل أو حريق أو سبع أو جمل أو كلب ضار أو صائل أو حية ونحو ذلك، ولم يجد عنه معدلاً فله صلاة شدة الخوف بالاتفاق لوجود الخوف، وهذه الصلاة جائزة بالإجماع.