وفي هذا العصر يعتبر مذهب أبي حنيفة أجدى وأنفع للفقير وأيسر وأضبط لمخرج الزكاة. والله أعلم.
٤ - وأما وقت وجوبها فإن الرواية العاشرة والحادية عشرة تصرحان بالأمر بإخراجها قبل خروج الناس إلى صلاة العيد، ولفظ "قبل" يمنع التأخير، ولا يحدد بداية الوجوب أو بداية الجواز، وإن كان يوصي بالقرب لا بالبعد عن الوقت المذكور، ولكن متى تجب؟ ومتى يجوز إخراجها؟ وما حكم تأخيرها عن صلاة العيد؟ .
أما وقت الوجوب فقال الشافعي وأحمد وإسحق ومالك في رواية عنه: تجب بغروب شمس آخر يوم من رمضان. وقال أبو حنيفة ومالك في رواية عنه: تجب بطلوع الفجر من يوم العيد. ومعنى ذلك أنهم اتفقوا على أن من مات قبل غروب شمس آخر يوم من رمضان لا زكاة عليه، ومن ولد قبل غروب شمس آخر يوم ولو بلحظة فعليه زكاة الفطر، أما من ولد بعد المغرب وقبل فجر يوم العيد فلا زكاة عليه عند الجمهور، وعليه الزكاة عند أبي حنيفة، ومن مات بعد المغرب وقبل فجر يوم العيد فعليه الزكاة عند الجمهور، ولا زكاة عليه عند أبي حنيفة.
وأما وقت جواز إخراجها فقال أبو حنيفة: يجوز تعجيلها من أول الحول لأنها زكاة، فأشبهت زكاة الأموال.
وقال الشافعي: يجوز إخراجها من أول شهر رمضان لأنها مبنية على الصوم وعلى الفطر منه، فإذا وجد أحد السببين جاز إخراجها، كزكاة المال بعد ملك النصاب، ولكن الأفضل أو المستحب إخراجها بعد غروب شمس آخر يوم من رمضان وقبل صلاة العيد. وأخرج مالك في الموطأ والشافعي عن نافع:"أن عمر كان يبعث بزكاة الفطر قبل الفطر بيومين أو ثلاثة". قال الشافعي: هذا حسن. وأنا أستحبه. اهـ.
وقال بعض الحنابلة: يجوز إخراجها من بعد نصف شهر رمضان.
ومذهب أحمد وهو المعتمد عند المالكية أنه لا يجوز إخراجها قبل العيد بأكثر من يومين، لما رواه البخاري عن ابن عمر قال:"كانوا يعطونها قبل الفطر بيوم أو يومين".
ومنع ابن حزم تعجيلها قبل فجر يوم الفطر.
ومعنى عدم جواز إخراجها قبل عام أو قبل رمضان أو قبل منتصفه أو قبل فجر يوم العيد أنها لو وقعت ودفعت لا تقع موقع القبول ولا موقع الواجب.
وأما تأخير أدائها عن صلاة العيد فجمهور الفقهاء على كراهته ما لم تؤخر عن يوم العيد، أما تأخيرها عن يوم العيد فهو حرام يأثم فاعله، كما في إخراج الصلاة عن وقتها، لكن هل تقع الزكاة موقع الفرض مع الإثم كتأخير الصلاة؟ أو لا تقع موقع الفرض؟ وما دفع يعتبر صدقة؟ وتبقى ديناً في ذمة صاحبها للمستحقين؟ خلاف بين العلماء. الراجح الأول.