٢٢٢٠ - عن سوادة قال سمعت سمرة بن جندب رضي الله عنه وهو يخطب يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "لا يغرنكم نداء بلال ولا هذا البياض حتى يبدو الفجر (أو قال) حتى ينفجر الفجر".
-[المعنى العام]-
جعل الله للعبادات مواقيت وزعها على الزمان، ليملأ المسلم هذه الأوقات بالعبادة فينسحب أثرها على غيرها من الأوقات، وليدخل في العبادة مرة أخرى بهمة ونشاط.
فالصلوات لها مواقيتها، والصيام له مواقيته، له مواقيته بالنسبة للعام، شهر يبدأ برؤية هلاله؛ وينتهي برؤية هلال شوال، وبالنسبة لليوم إمساك يبدأ بطلوع الفجر الصادق وينتهي بغروب شمسه، وغروب الشمس يرى بالعين، ولا يحتاج إلى بيان، ولكن طلوع الفجر، وتمييز لحظة الإمساك الواجب أمر كان يخفى في الإسلام على كثيرين.
لقد كتب الصيام من قبل على النصارى، وكتب عليهم أن لا يأكلوا ولا يشربوا ولا ينكحوا بعد النوم، وكتب على المسلمين في أول فرض الصيام مثل ذلك، فكان المسلمون يفعلون كما يفعل أهل الكتاب، إذا نام أحدهم لم يطعم حتى مغرب الليلة القابلة، وشق ذلك على المسلمين، فخفف الله عنهم، وأنزل جل شأنه:{أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم .. } إلى أن قال {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل}[البقرة: ١٨٧]. ففرح بها المسلمون فرحاً شديداً، وظن بعضهم أن المراد بالخيط الحبل، فوضع بعضهم تحت وسادته عقالاً أبيض وعقالاً أسود، وربط بعضهم في رجليه حبلاً أبيض وحبلاً أسود ينظر إليهما إذا أراد الصوم وهو يتسحر، فإذا بان له الأبيض من الأسود في ضوء النهار أمسك، وكان مراد الله بالخيط الأبيض ضوء النهار، وبالخيط الأسود ظلمة الليل، فأنزل قوله تعالى:{من الفجر} فأخذوا يرقبون السماء وضوء الفجر، وهم يعلمون أن ضوءاً يظهر عمودياً في الأفق يسمونه ذنب السرحان يظهر ثم يعقبه ظلام، ثم يظهر بعد قليل ضوء مستعرض في الأفق ينتشر شيئاً فشيئاً، يميناً وشمالاً، فأي الضوءين مراد القرآن؟ وعند ظهور أيهما يمسك من يريد الصيام؟ .
وحدد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم المراد بالقول وبالإشارة وبالفعل، جعل بلالاً يؤذن مع الضوء الأول العمودي، وجعل ابن أم مكتوم يؤذن عند بزوغ الضوء الثاني المستعرض، ثم قال لهم:"لا يغرنكم أذان بلال فإنه يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم" وقال: لا يغرنكم بياض الأفق الرأسي المستطيل حتى يظهر البياض المستعرض الأفقي المستطير المنتشر، ليس الفجر الذي يظهر ضوؤه