واختار الحافظ ابن حجر الاحتمال الأول، وأن الإعطاء لم يكن على سبيل الكفارة، بل على جهة التصدق عليه وعلى أهله بتلك الصدقة لما ظهر من حاجتهم. قال: والحق أنه لما قال له صلى الله عليه وسلم: "خذ هذا فتصدق به" لم يقبضه، بل اعتذر بأنه أحوج إليه من غيره، فأذن له حينئذ في أكله، فلو كان قبضه لملكه ملكاً مشروطاً بصفة، وهو إخراجه عنه بكفارته، لكنه لما لم يقبضه لم يملكه، فلما أذن له صلى الله عليه وسلم في إطعامه لأهله وأكله منه كان تمليكاً مطلقاً بالنسبة إليه وإلى أهله، وأخذهم إياه بصفة الفقر المشروحة، وقد تقدم أنه كان من مال الصدقة، وتصرف النبي فيه تصرف الإمام في إخراج مال الصدقة، فلا يكون فيه إسقاط، ولا أكل المرء من كفارة نفسه، ولا إنفاقه على من تلزمه نفقته من كفارة نفسه. اهـ.
واستدل بعضهم بالأحاديث على أن الكفارة عليه وحده دون الموطوءة لإفراده بالحكم "هل تجد كذا؟ هل تجد كذا؟ هل تستطيع صيام شهرين؟ تصدق، أطعم ستين مسكيناً، وهذا هو الأصح من قول الشافعية، وقال الجمهور: تجب الكفارة على المرأة أيضاً على اختلاف وتفاصيل لهم في الحرة والأمة، والمطاوعة والمكرهة، وهل هي عليها، أو على الرجل عنها؟ واستدل الشافعي بسكوته صلى الله عليه وسلم عن إعلام المرأة بوجوب الكفارة مع الحاجة، قال الحافظ: وأجيب بمنع وجود الحاجة إذ ذاك، لأنها لم تعترف ولم تسأل، واعتراف الزوج عليها لا يوجب عليها حكماً ما لم تعترف وبأنها قضية حال، فالسكوت عنها لا يدل على الحكم، لاحتمال أن تكون المرأة لم تكن صائمة لعذر من الأعذار، ثم إن بيان الحكم للرجل بيان في حقها، لاشتراكهما في تحريم الفطر وانتهاك حرمة الصوم، كما لم يأمره بالغسل، والتنصيص على الحكم في حق المكلفين كاف عن ذكره في حق الباقين.
قال القرطبي: ليس في الحديث ما يدل على شيء من ذلك، لأنه ساكت عن المرأة، فيؤخذ حكمها من دليل آخر. اهـ.
واستدل بعضهم بالأحاديث على عدم وجوب قضاء اليوم الذي جامع فيه، لأنه لم يرد للقضاء ذكر فيها. والجمهور أن عليه القضاء، وعدم الذكر لا يدل على عدم الوجوب، فهو أمر معلوم أن من أفسد الصوم الواجب وجب عليه القضاء. وقال الأوزاعي: إن كفر بالعتق أو الإطعام صام يوماً مكانه، وإن كفر بصيام شهرين متتابعين دخل فيهما قضاء ذلك اليوم.
واستدل بعضهم من إطلاق الرقبة في أحاديث الباب على جواز المسلمة والكافرة والذكر والأنثى والصغير والكبير، وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه، والجمهور يشترطون الإيمان حملاً للمطلق هنا على المقيد في كفارة الظهار.
-[ويؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم: ]-
١ - قال عياض: في الأحاديث أن من جاء مستفتياً فيما فيه الاجتهاد، دون الحدود المحدودة أنه لا يلزمه تعزير ولا عقوبة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعاقب الأعرابي على هتك حرمة الشهر، لأن في مجيئه واستفتائه ظهور توبته وإقلاعه، قال: ولأنه لو عوقب كل من جاء بجيئة لم يستفت أحد غالباً عن