للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وفي أداء مناسك الحج مشقة ومشقة، تحتاج قوة وجلداً وصبراً، وبخاصة الوقوف بعرفة الذي لا بد فيه من البروز للشمس، والتعرض لحرارة الجو في مكان خال من مطالب الراحة ووسائلها. فماذا في صوم الحاج يوم عرفة وهو واقف بعرفة؟ هل شأنه شأن المقيم في بلاده ودياره يستحب له الصوم؟ أو يستحب له الفطر؟ أو الحكم يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال؟ فيستحب في الشتاء وحيث لا يشق على الواقف؟ ولا يستحب في الحر، ولا لمن يشق عليه الصوم؟ .

أو الصوم والفطر بالنسبة له سواء؟ إن صام فله أجره، وإن أفطر فله أجر الصائم؟ لقد أراد بعض الصحابة الواقفين بعرفة أن يتبينوا حال الرسول صلى الله عليه وسلم وهو واقف بعرفة.

لقد قال بعضهم: هو صائم، وقال البعض: ليس بصائم. فما هو القول الفصل؟ لا سبيل إلى سؤاله صلى الله عليه وسلم في زحام الموقف، وأقرب الناس إلى معرفة ذلك زوجته، ومضرب أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث قريب منهم، لقد وقفوا على بابها ومعها أختها أم الفضل.

وأخذوا يتجادلون، ورأت أم الفضل وميمونة أن السبيل الواضح لمعرفة حاله صلى الله عليه وسلم أن ترسلا إليه بقدح فيه لبن، فإن كان صائماً لن يشرب، فلما وصله اللبن وهو على ناقته صلى الله عليه وسلم يخطب الناس رفع القدح إلى فيه وشرب، والناس ينظرون إليه صلى الله عليه وسلم، فعلموا أنه ليس بصائم؛ فأفطر منهم من أفطر، وصام من صام حيث لا نهي.

-[المباحث العربية]-

(أم الفضل بنت الحارث) الهلالية زوجة العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأخت ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين رضي الله عنهما، والظاهر أنهما كانتا في خيمة واحدة في الموقف.

(أن ناساً تماروا) أي اختلفوا وتجادلوا، وفي موطأ مالك "اختلف ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وفي روايتنا الثانية "شك ناس"، وفي الثالثة "إن الناس شكوا في صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة" فكأنهم شكوا ثم تماروا وتجادلوا "فقال بعضهم: هو صائم، وقال بعضهم: ليس بصائم" كما جاء في الرواية الأولى.

(فأرسلت إليه) التاء ساكنة، والفاعل ضمير الغائبة، وكذا في الرواية الثالثة، أما الثانية فالتاء ضمير المتكلمة.

(بقدح لبن) القدح بفتح الدال إناء يشرب به الماء أو اللبن أو نحوهما يشبه ما يسمى اليوم بالكأس، وفي الرواية الثانية "فأرسلت إليه بقعب فيه لبن" والقعب بفتح القاف وسكون العين القدح الضخم الغليظ، وفي الرواية الثالثة "فأرسلت إليه ميمونة بحلاب اللبن" بكسر الحاء، وهو الإناء الذي يجعل فيه اللبن، وقد يطلق على اللبن المحلوب.

(وهو واقف على بعيره بعرفة) في بعض الروايات "وهو يخطب الناس بعرفة" والمراد وهو

<<  <  ج: ص:  >  >>