رمضان صار مستحباً دون ذلك الاستحباب، فهو لم يزل سنة من حين شرع، ولم يكن واجباً قط في هذه الأمة، ويستدلون بقول معاوية، في روايتنا الخامسة عشرة:"ولم يكتب الله عليكم صيامه".
قال الحافظ ابن حجر: ولا دلالة فيه، لاحتمال أن يريد: ولم يكتب الله عليكم صيامه على الدوام كصيام رمضان، وغايته أنه عام، خص بالأدلة الدالة على تقدم وجوبه، أو المراد أنه لم يدخل في قوله تعالى:{يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم} ثم فسره بأنه شهر رمضان، وهذا لا يناقض الأمر السابق بصيامه الذي صار منسوخاً، ويؤيد ذلك أن معاوية إنما صحب النبي صلى الله عليه وسلم من سنة الفتح، والذين شهدوا أمره بصيام عاشوراء والنداء بذلك شهدوه في السنة الأولى أوائل العام الثاني. اهـ.
ثم قال: وأما قولهم: المتروك تأكد استحبابه، والباقي مطلق الاستحباب فلا يخفى ضعفه، بل تأكد استحبابه باق، ولا سيما مع استمرار الاهتمام به، حتى في عام وفاته صلى الله عليه وسلم حيث يقول:"لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع والعاشر" ولترغيبه في صومه، وأنه يكفر سنة، وأي تأكيد أبلغ من هذا؟
المرحلة الثالثة: حكم صوم يوم عاشوراء بعد فرض صوم شهر رمضان، وقد نقل ابن عبد البر الإجماع على أنه الآن ليس بفرض، والإجماع على أنه مستحب.
نعم نقل القاضي عياض أن بعض السلف كان يرى بقاء فرضية عاشوراء، لكن انقرض القائلون بذلك.
كذلك قيل: إن ابن عمر كان يكره قصده بالصوم، لكن انقرض أيضاً القول بذلك.
نعم كان آخر أمره صلى الله عليه وسلم ما هم به من صوم التاسع، والظاهر أنه قصد أن يضيف التاسع إلى العاشر. قال الحافظ ابن حجر: إما احتياطاً له، وإما مخالفة لليهود، وهو الأرجح، وبه تشير بعض روايات مسلم [يشير إلى روايتنا الثانية والعشرين] ولأحمد من وجه آخر عن ابن عباس مرفوعاً "صوموا يوم عاشوراء، وخالفوا اليهود صوموا يوماً قبله أو يوماً بعده" قال: وكان هذا في آخر الأمر، وقد كان صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء، ولا سيما إذا كان فيما يخالف فيه أهل الأوثان، فلما فتحت مكة، واشتهر أمر الإسلام أحب مخالفة أهل الكتاب أيضاً، كما ثبت في الصحيح، فهذا من ذاك، فوافقهم أولاً، وقال:"نحن أحق بموسى منكم" ثم أحب مخالفتهم، فأمر بأن يضاف إليه يوم قبله أو يوم بعده خلافاً لهم.
ثم قال: وعلى هذا فصيام عاشوراء على ثلاث مراتب. أدناها أن يصام وحده، وفوقه أن يصام التاسع معه وفوقه أن يصام التاسع والحادي عشر. والله أعلم.
-[ويؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم: ]-
١ - أن الأيام التي يتفضل الله فيها على عباده الصالحين يستحب صومها شكراً لله، فإن موسى عليه